قصة هود عليه السلام
وهو بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. ويقال: إن هود هو عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، ويقال: هود بن عبد الله بن رباح الجارود بن عاد بن عوص بن إرم بن نوح عليه السلام. ذكره ابن جرير.
وكان من قبيلة يقال لهم: عاد بن عوص بن سام بن نوح، وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف ـ وهي جبال الرمل ـ وكانت باليمين بن عمان وحضر موت، بأرض مطلة على البحر، يقال لها: "الشحر"، واسم واديهم: "مغيث".
وكانوا كثيراً ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام، كما قال تعالى:
{ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد} (سورة الفجر:6ـ7)
أي: عاد إرم وهم عاد الأولى، وأما عاد الثانية فمتأخرة كما سيأتي بيان ذلك في موضعه. وأما عاد الأولى فهم عاد
{إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد} (سورة الفجر:7ـ
أي: مثل القبيلة، وقيل مثل العمد، والصحيح الأول، كما بيناه في التفسير.
ومن زعم أن "إرم" مدينة تدور في الأرض، فتارة في الشام، وتارة في اليمن، وتارة في الحجاز، وتارة في غيرها، فقد أبعد النجعة، وقال ما لا دليل عليه، ولا برهان يعول عليه، ولا مستند يركن إليه. وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه: "منهم أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر".
ويقال: إن هوداً عليه السلام أول من تكلم بالعربية، وزعم وهب بن منبه أن أباه أول من تكلم بها، وقال غيره: أول من تكلم بها نوح، وقيل: آدم الأشبه، وقيل غير ذلك. والله أعلم. ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام: العرب العاربة، وهم قبائل كثيرة منهم عاد، وثمود، وجرهم، وطسم، وأميم، ومدين، وعملاق، وعبيل، وجاسم، وقحطان، وبنو يقطن، وغيرهم.
وأما العرب المستعربة: فهم ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمة هاجر بالحرم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله، ولكن أنطقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان، وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمقصود أن عاداً ـ وهم عاد الأولى ـ كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان وكانت أصنامهم ثلاثة: صمدا، وصمود، وهرا. فبعث الله فيهم أخاهم هوداً عليه السلام فدعاهم إلي الله. وذلك بين في قوله لهم:
{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قومٍ نوحٍ وزادكم في الخلق بسطة} (سورة الأعراف:96)
أي: جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش. وقال في "المؤمنون"
{ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} (سورة الآية:31)
وهم قوم هود على الصحيح. وزعم آخرون أنهم ثمود لقوله:
{فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء} (سورة المؤمنون:41)
قالوا: وقوم صالح هم الذين أهلكوا بالصيحة
{وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} (سورة الحاقة:6)
وهذا الذي قالوه لا يمنع من اجتماع الصيحة والرياح العاتية عليهم؛ كما سيأتي في قصة أهل مدين أصحاب الأيكة، فإنه اجتمع عليهم أنواع من العقوبات، ثم لا خوف أن عاداً قبل ثمود. والمقصود أن عاداً كانوا عرباً جفاة كافرين، متمردين عتاة في عبادة الأصنام، فأرسل الله فيهم رجلاً منهم يدعوهم إلي الله وإلي إفراده بالعبادة والإخلاص له، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه؛ فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته واستغفاره، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة، وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة:
{قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} (سورة الأعراف:66)
أي: هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلي ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجي منها النصر والرزق، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك.
{قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين} (سورة الأعراف:67)
أي: ليس الأمر كما تظنون ولا كما تعتقدون
{أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح آمين} (سورة الأعراف:68)
والبلاغ يستلزم هدم الكذب في أصل المبلغ، وعدم الزيادة فيه والنقص منه، ويستلزم أداءه بعبارة فصيحة وجيزة جامعة مانعة لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب.
وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه، والشفقة عليهم، والحرص على هدايتهم، لا يبتغي منهم أجراً، ولا يطلب منهم جعلاً، بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه والنصح لخلقه، لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله، فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه وأمره إليه، ولهذا قال:
{يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني، أفلا تعقلون} (سورة هود:51)
أي: أما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلي الحق المبين الذي تشهد به فطرتكم التي خلقتم عليها، وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحاً، وأهلك من خالفه من الخلق، وهاأنا أدعوكم إليه لا أسألكم عليه، بل ابتغي ذلك من عند الله مالك الضر والنفع، ولهذا قال مؤمن "يس":
{اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون * ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} (سورة يس:21ـ22)
وقال قوم هود له فيما قالوا:
{يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} (سورة هود:53ـ54)
يقولون: ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه، وعندنا إنما أصابك هذا لأن بعض آلهتنا غضب عليك، فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك، وهو قولهم:
{إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} (سورة هود:54)
{قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون * من دونه، فيكدوني جميعاً ثم لا تنظرون} (سورة هود:54ـ55)
وهذا تحد منه لهم، وتبرؤ من آلهتهم، وتنقص منه لها، وبيان أنها لا تنفع شيئاً ولا تضر، وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله، فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر، وتنفع، وتضر، فها أنا إذاً برئ منها لاعن لها، فكيدوني أنتم وهي جميعاً بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه، ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين؛ فإني لا أبالي بكم، ولا أفكر فيكم، ولا انظر إليكم.
{إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم} (سورة هود:56)
أي: أنا متوكل على الله ومتأيد به، وواثق بجانبه الذي لا يضيع من لاذ به واستند إليه، فلست أبالي مخلوقاً سواه، ليست أتوكل إلا عليه، ولا أعبد إلا إياه. وهذا وحده برهان قاطع على أن هوداً عبد الله ورسوله، وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله، لأنهم لم يصلوا إليه بسوء، ولا نالوا منه مكروهاً؛ فدل على صدقه فيما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه، وفساد ما ذهبوا إليه.
وهذا الدليل بعينه قد استدل به نوح عليه السلام قبله في قوله:
{يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} (سورة يونس:71)
{ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً، وسع ربي كل شيء علماً، أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن، إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه، نرفع درجات من نشاء، إن ربك حكيم عليم} (سورة الأنعام:80ـ83)
[/size]وهو بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. ويقال: إن هود هو عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، ويقال: هود بن عبد الله بن رباح الجارود بن عاد بن عوص بن إرم بن نوح عليه السلام. ذكره ابن جرير.
وكان من قبيلة يقال لهم: عاد بن عوص بن سام بن نوح، وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف ـ وهي جبال الرمل ـ وكانت باليمين بن عمان وحضر موت، بأرض مطلة على البحر، يقال لها: "الشحر"، واسم واديهم: "مغيث".
وكانوا كثيراً ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام، كما قال تعالى:
{ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد} (سورة الفجر:6ـ7)
أي: عاد إرم وهم عاد الأولى، وأما عاد الثانية فمتأخرة كما سيأتي بيان ذلك في موضعه. وأما عاد الأولى فهم عاد
{إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد} (سورة الفجر:7ـ
أي: مثل القبيلة، وقيل مثل العمد، والصحيح الأول، كما بيناه في التفسير.
ومن زعم أن "إرم" مدينة تدور في الأرض، فتارة في الشام، وتارة في اليمن، وتارة في الحجاز، وتارة في غيرها، فقد أبعد النجعة، وقال ما لا دليل عليه، ولا برهان يعول عليه، ولا مستند يركن إليه. وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه: "منهم أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر".
ويقال: إن هوداً عليه السلام أول من تكلم بالعربية، وزعم وهب بن منبه أن أباه أول من تكلم بها، وقال غيره: أول من تكلم بها نوح، وقيل: آدم الأشبه، وقيل غير ذلك. والله أعلم. ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام: العرب العاربة، وهم قبائل كثيرة منهم عاد، وثمود، وجرهم، وطسم، وأميم، ومدين، وعملاق، وعبيل، وجاسم، وقحطان، وبنو يقطن، وغيرهم.
وأما العرب المستعربة: فهم ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمة هاجر بالحرم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله، ولكن أنطقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان، وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمقصود أن عاداً ـ وهم عاد الأولى ـ كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان وكانت أصنامهم ثلاثة: صمدا، وصمود، وهرا. فبعث الله فيهم أخاهم هوداً عليه السلام فدعاهم إلي الله. وذلك بين في قوله لهم:
{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قومٍ نوحٍ وزادكم في الخلق بسطة} (سورة الأعراف:96)
أي: جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش. وقال في "المؤمنون"
{ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} (سورة الآية:31)
وهم قوم هود على الصحيح. وزعم آخرون أنهم ثمود لقوله:
{فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء} (سورة المؤمنون:41)
قالوا: وقوم صالح هم الذين أهلكوا بالصيحة
{وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} (سورة الحاقة:6)
وهذا الذي قالوه لا يمنع من اجتماع الصيحة والرياح العاتية عليهم؛ كما سيأتي في قصة أهل مدين أصحاب الأيكة، فإنه اجتمع عليهم أنواع من العقوبات، ثم لا خوف أن عاداً قبل ثمود. والمقصود أن عاداً كانوا عرباً جفاة كافرين، متمردين عتاة في عبادة الأصنام، فأرسل الله فيهم رجلاً منهم يدعوهم إلي الله وإلي إفراده بالعبادة والإخلاص له، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه؛ فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته واستغفاره، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة، وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة:
{قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} (سورة الأعراف:66)
أي: هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلي ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجي منها النصر والرزق، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك.
{قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين} (سورة الأعراف:67)
أي: ليس الأمر كما تظنون ولا كما تعتقدون
{أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح آمين} (سورة الأعراف:68)
والبلاغ يستلزم هدم الكذب في أصل المبلغ، وعدم الزيادة فيه والنقص منه، ويستلزم أداءه بعبارة فصيحة وجيزة جامعة مانعة لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب.
وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه، والشفقة عليهم، والحرص على هدايتهم، لا يبتغي منهم أجراً، ولا يطلب منهم جعلاً، بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه والنصح لخلقه، لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله، فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه وأمره إليه، ولهذا قال:
{يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الذي فطرني، أفلا تعقلون} (سورة هود:51)
أي: أما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلي الحق المبين الذي تشهد به فطرتكم التي خلقتم عليها، وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحاً، وأهلك من خالفه من الخلق، وهاأنا أدعوكم إليه لا أسألكم عليه، بل ابتغي ذلك من عند الله مالك الضر والنفع، ولهذا قال مؤمن "يس":
{اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون * ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} (سورة يس:21ـ22)
وقال قوم هود له فيما قالوا:
{يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} (سورة هود:53ـ54)
يقولون: ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه، وعندنا إنما أصابك هذا لأن بعض آلهتنا غضب عليك، فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك، وهو قولهم:
{إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} (سورة هود:54)
{قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون * من دونه، فيكدوني جميعاً ثم لا تنظرون} (سورة هود:54ـ55)
وهذا تحد منه لهم، وتبرؤ من آلهتهم، وتنقص منه لها، وبيان أنها لا تنفع شيئاً ولا تضر، وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله، فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر، وتنفع، وتضر، فها أنا إذاً برئ منها لاعن لها، فكيدوني أنتم وهي جميعاً بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه، ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين؛ فإني لا أبالي بكم، ولا أفكر فيكم، ولا انظر إليكم.
{إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم} (سورة هود:56)
أي: أنا متوكل على الله ومتأيد به، وواثق بجانبه الذي لا يضيع من لاذ به واستند إليه، فلست أبالي مخلوقاً سواه، ليست أتوكل إلا عليه، ولا أعبد إلا إياه. وهذا وحده برهان قاطع على أن هوداً عبد الله ورسوله، وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله، لأنهم لم يصلوا إليه بسوء، ولا نالوا منه مكروهاً؛ فدل على صدقه فيما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه، وفساد ما ذهبوا إليه.
وهذا الدليل بعينه قد استدل به نوح عليه السلام قبله في قوله:
{يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} (سورة يونس:71)
{ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً، وسع ربي كل شيء علماً، أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن، إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه، نرفع درجات من نشاء، إن ربك حكيم عليم} (سورة الأنعام:80ـ83)