فتح مكة ...و سقوط معقل الشرك
قريش تنقض عهد الموادعة
لقد التزم النبيّ (ص) والمسلمون بكلّ بنود الاتفاق التي اشتمل عليها كتاب الصلح بينه وبين قريش في الحديبية، ولكن قريشاً قد استخفّت بقوّة المسلمين بعد معركة مؤتة، وجرّها هذا الاستخفاف إلى نقض عهد الموادعة.
فلمّا كانت معركة مؤتة، تخيّل بنو الديل أو بنو الدؤل من بني بكر بن عبد مناة أحلاف قريش، أنَّ الفرصة سانحة لهم ليقتصُّوا من خزاعة حليفة المسلمين لثاراتهم القديمة، وظنّوا أنَّ المسلمين بعد تلك النكسة التي أصيبوا بها لـم يعد بمستطاعهم أن يناصروا من دخل في عهدهم كخزاعة وغيرها، وحرّضهم على ذلك عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أميّة وحويطب بن عبد العزي وغيرهم من وجوه قريش، ودسّوا إليهم الرجال والسّلاح، وبيتوا خزاعة وهم على ماء لهم يدعى "الوتير"، فقتلوا منهم عشرين رجلاً، وذلك في شعبان من السنة الثامنة للهجرة، فالتجأت خزاعة إلى الحرم، ثُمَّ إلى دار بديل بن ورقاء في مكّة، وشكوا إليه نقض قريش وبني بكر عهد رسول اللّه.
خزاعة تستنجد بالرسول(ص)
وفزعت خزاعة لما حلّ بها، فبعثت عمرو بن سالـم الخزاعي إلى رسول اللّه (ص) في المدينة يقصّ عليهم نبأها، ويعرض على الرسول (ص) تفاصيل العدوان، ويستنجده على المعتدين، وأعقبه بديل بن ورقاء في نفرٍ من خزاعة يؤكد ما ذهب إليه عمرو، ولـم تلبث قريش، ولكن بعد فوات الأوان، أن أدركت خطأها، خاصة وأنَّ المعطيات قد تغيّرت وباتت عاجزة عن الوقوف في وجه المسلمين، فرأت أن تبعث بزعيمها أبي سفيان إلى المدينة يصلح ما أفسده قومه، ويحاول أن يعيد للعقد المهدور حرمته.
التقى أبو سفيان بالرسول (ص)، وكلّمه في الأمر، فلم يردَّ عليه، وذهب إلى صحابة رسول اللّه (ص) يتوسطهم في الأمر، ولكنَّهم رفضوا ذلك، وقد عبّر عن ذلك الإمام عليّ (ع) بقوله: "واللّه يا أبا سفيان، لقد عزم رسول اللّه على أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه"، ثُمَّ نصحه أن يعود من حيث جاء... فقفل أبو سفيان إلى قومه يخبرهم بما لقي من صدود.