عصفور فلسطيني فقد أمه
لما قالوا له أن أمه ماتت، لم يفهم العصفور الصغير معنى هذه الكلمة لأنه ما يزال صغيرا ولأن هذه العبارة ليست في قاموسه، قاموس كلماته البسيطة، لكنه أدرك أخيرا أن أمه لن تستطيع بعد الآن أن تمسح على رأسه في رقة، ولا أن تحضنه في حنان، ولن تقدر أبدا أن تحكي له حكايات قصيرة قبل النوم.
حينها فقط أحس العصفور الصغير بالحرمان واليتم، وبدأ يبكي بمرارة. وعندما سألهم عمن سيتولى هذه المهام عوضا عن أمه، قالوا له أن... لا أحد.
ولأنه رأى جيدا الرصاصة تخترق جسم أمه الناعم، ولمح نظرات الغضب والألم في عينيها، ولأنه استمع جيدا إلى وقع قطرات الدم على الأرض متناغمة مع صدى طلقات الرصاص، فإنه سيبقى يتذكر حتى آخر لحظة في حياته تلك الواقعة، حين كانت أمه تتهاوى في بطء، يختلط وقع قطرات دمها بصدى الرصاص الطائش.
مازال يتذكرها وهي تغادر العش باحثة عن طعام من أجله. لقد جلس ينتظرها في لهفة. وبعد صبر طويل، رآها تقترب حاملة في منقارها بعض الطعام. وبينما هي تدنو سمع صوتا أقوى من زقزقتها الرقيقة وشاهد أمه تسقط من الأعلى لتستقر على الأرض.
بكى تلك الليلة بحرقة وألم.عندما صار العصفور أبا روى لأطفاله مرارا تفاصيل تلك الليلة الفظيعة، والتي لم يغمض له فيها جفن ولم يحتضنه فيها جناحان دافئان، والتي شعر فيها بالوحدة والخوف، وأحس بفراغ العش وارتعش حين تراءت له أشباح الأشجار.
في تلك الليلة ودون أن يدري ما يفعل - ورغم أن أمه الشهيدة كثيرا ما نصحته بعدم النزول إلى الأرض لأنه لا يزال صغيرا - نزل بثقة عالية، ونام باطمئنان في حضن أمه الملطخ بالدماء.
في صباح ذلك اليوم الذي لن ينساه أبدا، استطاع الحصول على بعض القوت، إلا أنه - وقبل أن يتناول منه شيئا رغم جوعه الشديد - قدمه لأمه، لأنه ود ببراءة الأطفال أن تشاركه الطعام.
من يدري... ربما استطاعت أم الصياد... وربما استطعنا نحن أن نتخيل عصفورا بالكاد يطير دون أم ودون حنان ودون أمل. يمكن للصياد أن يتخيل ذلك جيدا وهو ينظف حذائه الثقيل، لكنه لن يستطيع أبدا ما دامت بندقيته مليئة بالرصاص، أن يحس به، ويشعر بما يختلج بأعماقه وما يعده للمستقبل.
لما قالوا له أن أمه ماتت، لم يفهم العصفور الصغير معنى هذه الكلمة لأنه ما يزال صغيرا ولأن هذه العبارة ليست في قاموسه، قاموس كلماته البسيطة، لكنه أدرك أخيرا أن أمه لن تستطيع بعد الآن أن تمسح على رأسه في رقة، ولا أن تحضنه في حنان، ولن تقدر أبدا أن تحكي له حكايات قصيرة قبل النوم.
حينها فقط أحس العصفور الصغير بالحرمان واليتم، وبدأ يبكي بمرارة. وعندما سألهم عمن سيتولى هذه المهام عوضا عن أمه، قالوا له أن... لا أحد.
ولأنه رأى جيدا الرصاصة تخترق جسم أمه الناعم، ولمح نظرات الغضب والألم في عينيها، ولأنه استمع جيدا إلى وقع قطرات الدم على الأرض متناغمة مع صدى طلقات الرصاص، فإنه سيبقى يتذكر حتى آخر لحظة في حياته تلك الواقعة، حين كانت أمه تتهاوى في بطء، يختلط وقع قطرات دمها بصدى الرصاص الطائش.
مازال يتذكرها وهي تغادر العش باحثة عن طعام من أجله. لقد جلس ينتظرها في لهفة. وبعد صبر طويل، رآها تقترب حاملة في منقارها بعض الطعام. وبينما هي تدنو سمع صوتا أقوى من زقزقتها الرقيقة وشاهد أمه تسقط من الأعلى لتستقر على الأرض.
بكى تلك الليلة بحرقة وألم.عندما صار العصفور أبا روى لأطفاله مرارا تفاصيل تلك الليلة الفظيعة، والتي لم يغمض له فيها جفن ولم يحتضنه فيها جناحان دافئان، والتي شعر فيها بالوحدة والخوف، وأحس بفراغ العش وارتعش حين تراءت له أشباح الأشجار.
في تلك الليلة ودون أن يدري ما يفعل - ورغم أن أمه الشهيدة كثيرا ما نصحته بعدم النزول إلى الأرض لأنه لا يزال صغيرا - نزل بثقة عالية، ونام باطمئنان في حضن أمه الملطخ بالدماء.
في صباح ذلك اليوم الذي لن ينساه أبدا، استطاع الحصول على بعض القوت، إلا أنه - وقبل أن يتناول منه شيئا رغم جوعه الشديد - قدمه لأمه، لأنه ود ببراءة الأطفال أن تشاركه الطعام.
من يدري... ربما استطاعت أم الصياد... وربما استطعنا نحن أن نتخيل عصفورا بالكاد يطير دون أم ودون حنان ودون أمل. يمكن للصياد أن يتخيل ذلك جيدا وهو ينظف حذائه الثقيل، لكنه لن يستطيع أبدا ما دامت بندقيته مليئة بالرصاص، أن يحس به، ويشعر بما يختلج بأعماقه وما يعده للمستقبل.