الصورة الأولى
جاء في صحيح البخاري في حديث الشفاعة العظمى عن أنس رضي الله عنه وفي الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: { فيأتوني، فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - ثم أعود فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة: وسمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - ثم أعود الثالثة، فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن}. أي وجب عليه الخلود. قال: ثم تلا هذه الآية: ((عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ))[الإسراء:79]. قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم.
الصورة الثانية
جاء عند البخاري أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث الشفاعة العظمى أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: {فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو: كما بين مكة وبصرى}.
الصورة الثالثة
{ قرأ صلى الله عليه وسلم يوماً قول اللـه فى إبراهيم: (( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[ إبراهيم: 36]
وقرأ قول اللـه في عيسى( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))[ المائدة: 118]
فبكى صلى الله عليه وسلم فأنزل اللـه إليه جبريل عليه السلام وقال: باجبريل سل محمد ما الذى يبكيك؟ - وهو أعلم-، فنزل جبريل وقال: ما يبكيك يا رسول اللـه؟ قال: أمتي.. أمتي يا جبريل، فصعد جبريل إلى الملك الجليل. وقال: يبكى على أمته واللـه أعلم، فقال لجبريل: انزل إلى محمد وقل له: إنا سنرضيك فى أمتك} رواه مسلم.
الصورة الرابعة
قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة} رواه البخاري.
الصورة الخامسة
أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله: (( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ))[هود:114]. فقال الرجل: يا رسول الله، ألي هذا؟ قال: {لجميع أمتي كلهم} رواه البخاري.
الصورة السادسة
قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة} رواه البخاري.
الصورة السابعة
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فرجوت أن يكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب}.
فتفرق الناس ولم يبين لهم، فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون}.
فقام عكاشة بن محصن فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: {نعم}. فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ فقال: {سبقك بها عكاشة}.
الصورة الثامنة
جاء في حديث الإسراء والمعراج الطويل..قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام. قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: { ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي، حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك } رواه البخاري.
الصورة التاسعة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: {سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه}.
قالت فقلت: يا رسول الله ! أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه؟ فقال: {خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه. فقد رأيتها. (( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ))[النصر:1] فتح مكة، (( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ))[النصر:2]، (( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ))[الحجر:98] }. رواه مسلم.
الصورة العاشرة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله ! من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل، قالوا: فمن هم؟ يا رسول الله ! قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في الطاعون فهو شهيد. ومن مات في البطن فهو شهيد } قال ابن مقسم: أشهد على أبيك، في هذا الحديث؛ أنه قال: { والغريق شهيد } وفي رواية: قال عبيد الله بن مقسم: أشهد على أخيك أنه زاد في هذا الحديث: { ومن غرق فهو شهيد } وفي رواية: زاد فيه: { والغرق شهيد } رواه مسلم.
الصورة الحادية عشرة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم، عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر. فإذا مطرت، سر به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة: فسألته. فقال: { إني خشيت أن يكون عذابا سلطا على أمتي } ويقول إذا رأى المطر: {رحمه} رواه مسلم.
الصورة الثانية عشرة
عن عبد الله بن عمر؛ قال: { مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة. فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده. فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك. فقال حين خرج إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم. ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى } رواه مسلم.
الصورة الثالثة عشرة{ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية. حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين. وصلينا معه. ودعا ربه طويلا. ثم انصرف إلينا. فقال صلى الله عليه وسلم "سألت ربي ثلاثا. فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها. وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها }. وفي رواية: { أنه أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه فمر بمسجد بني معاوية }. رواه مسلم.
الصورة الرابع عشرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار. قال فأتاه جبريل عليه السلام. فقال: { إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته. وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثانية. فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته. وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته. وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف. فأيما حرف قرءوا عليه، فقد أصابوا } رواه مسلم.
1.الآيات الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته والتحذير من مخالفته :
- ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ) 4.
- ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) 5.
- ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ..) 6.
- ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 7.
- ( فليحذر الذين يخالفون عن أره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) 8.
2.الآيات الدالة على وجوب الإيمان به أي الإذعان والتصديق والتسليم له واتباعه وقبول شريعته حكمه وقضائه :
- ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) 9.
- ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه)10.
3.الآيات الدالة على أ ن الرسول صلى الله عليه وسلم مبين للكتاب وشارح له شرح معتبر عند الله تعالى ومطابق لما شرعه لعباده وأنه صلى الله عليه وسلم معلم لأمته لأمرين الكتاب والحكمة (وهي السنة) : - (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك لما لم تكن كعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) 11فالحكمة أي السنة .
- (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) 12فرأى الشافعي وغيره أن الحكمة السنة.
4.الآيات الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما يصدر عته وأن ذلك من ثمرات محبة العبد لربه:
- ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) 13.
- ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )14 قال الترمذي : الأسوة الحسنة في الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول أو فعل .
5.الآيات الدالة على أن الله أمره بتبليغ رسالته قرآنا وسنة وأنه عصمه من التبديل والتحريف يفيد التمسك بالسنة :
- (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) 15.
- ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )16.
- ( اتبع ما يوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين )17 .
الأدلة من السنة :
تعددت الأحاديث الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وتنوعت فيمكن تقسيمها موضوعيا إلى :
1.الأحاديث الدالة على أن السنة تماثل القرآن في الحجية وأنه لا يمكن معرفة الشرع من القرآن وحده :
- قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أركته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيهمن حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ) 2.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس إني ما آمركم إلا ما أمركم به الله، ولا أنهاكم إلا عما نهاكم الله عنه ..) 3.
- صلى الله عليه وسلم( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ) 4.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسده الناس من بعدي من سنتي ) 5.
2.الأحاديث التي يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنته ويحذر من اتباع الهوى والاستقلال بالرأي :
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم ) 6.
- عن عائشة t قالت : ( صنع رسول الله (ص) شيئا ترخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ( ما بال قوم يتنزهون عن الشئ أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية )7 .
- عن العرباض بن سارية t قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل : يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش بعدكم سيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين: تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) 8.
3.الأحاديث التي فيها الأمر بسماع السنة وتبليغها ونشرها بين لناس مما يدل على حجيتها:
- قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ( ألا فليبلغ الشاهد الغائب ) 9.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداه ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) 10.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم ارحم خلفائي ، قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك ؟ قال : الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي، ويعلمونها الناس)11.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( بلغوا عني ولو آية وحدثوا عني ولا تكذبوا فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) 12.
دليل الإجماع :
فقد أجمع المسلمون سلفاً وخلفاً على أن السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة شرعية كما نقل عن كثير من العلماء مثل الشافعي وابن عبد البر وابن حزم وابن تيميه وابن القيم مثل قول ابن حزم : ولو أن امرأ قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافر بإجماع الأمة وتواتر عن الأئمة الأربعة نحو هذه العبارة ( إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عرض الحائط ) وقول الشوكاني : ( إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بالتشريع ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام ).
عصمة النبي صلى الله عليه وسلم :
دل الشرع وانعقد الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء معصومون من جميع ما يخل بتبليغ الرسالة من الخطأ والنسيان والكتمان والتقصير والكذب وتسلط الشيطان والأهواء والشك ومن أدلته :
1.دلالة المعجزة : وهي القرآن الذي تحدى به فصحاء العرب يدل على أنه معصوم في جميع ما يبلغ عنه .
2.أن الله قد شهد له بالبلاغ والصدق وأنه متمسك بما أوحي إليه (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) وقال : ( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم *وما غوى وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )18.
3.أخبر القرآن أنه لا يزيد ولا ينقص في الشرع ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) 19.
4.قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) 20.
5.إن الله قد حمى رسوله من إضلال أعداء الإسلام له ( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ )21 فلا يستطيعون التأثير عليه .
6.إنه صلى الله عليه وسلم معصوم من كيد الشيطان ووسوسته وإغوائه، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل منكم قريناً . فقالت عائشة : حتى أنت يا رسول الله ، قال: حتى أنا ولكن الله أعانني عليه فأسلم )13 .
7.شهد الله له في آخر زمنه بإكمال الرسالة ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) 22.
- تعذر العمل بالقرآن وحده :
كبيان كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وبيان نصاب والزكاة في قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )23 وبيان ما المراد بالحج والعمرة وشروطهما في قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ..) 24وبيان ما هي السرقة الموجبة للقطع وما نصابها وما هو موضع القطع في قوله تعالى ( والساق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله ..) 24.
هل اختلف المتقدمون في حجية السنة
إن حجية السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين بالضرورة لتظاهر لأدلة على ذلك وهو مرتبطة بأصول العقيدة وهي الترجمة الحقيقية للإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقع في ذلك نزاع بين المسلمين ممن يعتد بهم في هذا فكانت من المسلمات الأساسية والبديهية ولذا لم يتناولها المصنفون بالبيان . جاء في كتاب مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت ( إن حجية الكتاب والسنة والقياس من علم الكلام ، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس ، لأنهما كثر فيهما الشغب من الحمقى من الخوارج والروافض ، خذلهم الله تعالى، وأما حجية الكتاب والسنة فمتفق عيها عند الأمة ممن يدعي التدين كافة، فلا حاجة إلى الذكر )
امرأة من بني دينار، أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأُحد، فلما جاءها نعيهم قالت: فما فعل رسول الله ؟ قالوا : خيراً يا أمَّ فلان، هو بحمد الله كما تحبين. قالت : أرنيه حتى أنظرَ إليه ، فأُشير لها إليه ، حتى إذا رأته ، واكتحلت به عينها ، قالت : كل مصيبة بعدك جلل ( ).
وهذا خُبيب بن عبد الله الأنصاري لما بعثه النبي ومعه اثنان من أصحابه عيوناً بمكة واعترضتهم بنو لحيان من هذيل كان من أمر خبيب أنه قال بعد أن أخرجوه لقتله :" اللهم إني لا أجد رسولاً إلى رسولك فبلغه مني السلام"، ما هذا يا خبيب !!؟ أهذا كل همك؟ هلا دعوت للخلاص من كربك! في هذا الموقف يدعو الله أن يبلغ رسوله سلامه !!! لا عجب .. لا غرابة .. إنهم من اصطفاهم الله لنصرة رسوله كما قال ابن مسعود . فنزل جبريل يحمل سلامه إلى الرسول ، ثم صلبوه ، فقال :" اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تُبق منهم أحداً " . فقالوا له - وهو مصلوب نادوه وناشدوه - : أتحبُ أنَّ محمداً مكانَك ؟ فقال: "لا والله العظيم ما أحبُّ أن يَفْدِيَني بشوكة يُشاكها في قدمه" ( ) .
فأي حب هذا الذي حوته قلوبهم لرسول الله !!؟
بعد أحد أرسل النبيُّ رجلاً من الأنصار ليأتي بخبر سعد بن الربيع ، فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق . قال فقلت له : إن رسول الله أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال أنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله عني السلام ، وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خَلُص إلى نبيكم ومنكم عين تَطْرِف . قال : ثم لم أبرحْ حتى مات ( ).
ومن النماذج ما ثبت في الصحيحين ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : بينا أنا واقف في الصف يوم بدر ، فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما ، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما فقال : يا عم هل تعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم ، ما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا . فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر ، فقال لي مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس ، قلت : ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني ، فابتدراه بسيفيهما ، فضرباه حتى قتلاه .
إن المؤمن لا يمكن أن يرضى بالإساءة إلى النبي ..
في يوم بدر يعدل النبي صفوف أصحابه وفي يده قِدحٌ ( ) ، فمر بسواد بن غَزِيَّة - وهو بارز من الصف - فطعن في بطنه بالقدح ، وقال :«استو يا سواد» . فقال يا رسول الله أوجعتني ، وقد بعثك الله بالحق والعدل ، فأقدني ، فكشف رسول الله عن بطنه وقال :«استقد» . فاعتنقه ، فقبل بطنه ، فقال :«ما حملك على هذا يا سواد» ؟ قال : يا رسول الله ، حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك . فدعا له رسول الله بخير( ) .
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا ؟ قَالَ :«إِنْ شِئْتِ» . فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ ، فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ حَتَّى أَخَذَهَا ، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ ( ).
جاء في صحيح البخاري في حديث الشفاعة العظمى عن أنس رضي الله عنه وفي الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: { فيأتوني، فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - ثم أعود فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة: وسمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - ثم أعود الثالثة، فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت له ساجدا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحد لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة - قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة - حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن}. أي وجب عليه الخلود. قال: ثم تلا هذه الآية: ((عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ))[الإسراء:79]. قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم.
الصورة الثانية
جاء عند البخاري أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث الشفاعة العظمى أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: {فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو: كما بين مكة وبصرى}.
الصورة الثالثة
{ قرأ صلى الله عليه وسلم يوماً قول اللـه فى إبراهيم: (( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[ إبراهيم: 36]
وقرأ قول اللـه في عيسى( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))[ المائدة: 118]
فبكى صلى الله عليه وسلم فأنزل اللـه إليه جبريل عليه السلام وقال: باجبريل سل محمد ما الذى يبكيك؟ - وهو أعلم-، فنزل جبريل وقال: ما يبكيك يا رسول اللـه؟ قال: أمتي.. أمتي يا جبريل، فصعد جبريل إلى الملك الجليل. وقال: يبكى على أمته واللـه أعلم، فقال لجبريل: انزل إلى محمد وقل له: إنا سنرضيك فى أمتك} رواه مسلم.
الصورة الرابعة
قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة} رواه البخاري.
الصورة الخامسة
أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله: (( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ))[هود:114]. فقال الرجل: يا رسول الله، ألي هذا؟ قال: {لجميع أمتي كلهم} رواه البخاري.
الصورة السادسة
قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة} رواه البخاري.
الصورة السابعة
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فرجوت أن يكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب}.
فتفرق الناس ولم يبين لهم، فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون}.
فقام عكاشة بن محصن فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: {نعم}. فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ فقال: {سبقك بها عكاشة}.
الصورة الثامنة
جاء في حديث الإسراء والمعراج الطويل..قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام. قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: { ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعني فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي، ثم انطلق بي، حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك } رواه البخاري.
الصورة التاسعة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: {سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه}.
قالت فقلت: يا رسول الله ! أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه؟ فقال: {خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه. فقد رأيتها. (( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ))[النصر:1] فتح مكة، (( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ))[النصر:2]، (( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ))[الحجر:98] }. رواه مسلم.
الصورة العاشرة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله ! من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل، قالوا: فمن هم؟ يا رسول الله ! قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في سبيل الله فهو شهيد. ومن مات في الطاعون فهو شهيد. ومن مات في البطن فهو شهيد } قال ابن مقسم: أشهد على أبيك، في هذا الحديث؛ أنه قال: { والغريق شهيد } وفي رواية: قال عبيد الله بن مقسم: أشهد على أخيك أنه زاد في هذا الحديث: { ومن غرق فهو شهيد } وفي رواية: زاد فيه: { والغرق شهيد } رواه مسلم.
الصورة الحادية عشرة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم، عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر. فإذا مطرت، سر به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة: فسألته. فقال: { إني خشيت أن يكون عذابا سلطا على أمتي } ويقول إذا رأى المطر: {رحمه} رواه مسلم.
الصورة الثانية عشرة
عن عبد الله بن عمر؛ قال: { مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة. فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده. فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك. فقال حين خرج إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم. ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى } رواه مسلم.
الصورة الثالثة عشرة{ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية. حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين. وصلينا معه. ودعا ربه طويلا. ثم انصرف إلينا. فقال صلى الله عليه وسلم "سألت ربي ثلاثا. فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها. وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها }. وفي رواية: { أنه أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه فمر بمسجد بني معاوية }. رواه مسلم.
الصورة الرابع عشرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار. قال فأتاه جبريل عليه السلام. فقال: { إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته. وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثانية. فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته. وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته. وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف. فأيما حرف قرءوا عليه، فقد أصابوا } رواه مسلم.
1.الآيات الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته والتحذير من مخالفته :
- ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ) 4.
- ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) 5.
- ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ..) 6.
- ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 7.
- ( فليحذر الذين يخالفون عن أره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) 8.
2.الآيات الدالة على وجوب الإيمان به أي الإذعان والتصديق والتسليم له واتباعه وقبول شريعته حكمه وقضائه :
- ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) 9.
- ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه)10.
3.الآيات الدالة على أ ن الرسول صلى الله عليه وسلم مبين للكتاب وشارح له شرح معتبر عند الله تعالى ومطابق لما شرعه لعباده وأنه صلى الله عليه وسلم معلم لأمته لأمرين الكتاب والحكمة (وهي السنة) : - (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك لما لم تكن كعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) 11فالحكمة أي السنة .
- (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) 12فرأى الشافعي وغيره أن الحكمة السنة.
4.الآيات الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما يصدر عته وأن ذلك من ثمرات محبة العبد لربه:
- ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) 13.
- ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا )14 قال الترمذي : الأسوة الحسنة في الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول أو فعل .
5.الآيات الدالة على أن الله أمره بتبليغ رسالته قرآنا وسنة وأنه عصمه من التبديل والتحريف يفيد التمسك بالسنة :
- (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) 15.
- ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )16.
- ( اتبع ما يوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين )17 .
الأدلة من السنة :
تعددت الأحاديث الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وتنوعت فيمكن تقسيمها موضوعيا إلى :
1.الأحاديث الدالة على أن السنة تماثل القرآن في الحجية وأنه لا يمكن معرفة الشرع من القرآن وحده :
- قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أركته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيهمن حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ) 2.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس إني ما آمركم إلا ما أمركم به الله، ولا أنهاكم إلا عما نهاكم الله عنه ..) 3.
- صلى الله عليه وسلم( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ) 4.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسده الناس من بعدي من سنتي ) 5.
2.الأحاديث التي يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسك بسنته ويحذر من اتباع الهوى والاستقلال بالرأي :
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم ) 6.
- عن عائشة t قالت : ( صنع رسول الله (ص) شيئا ترخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ( ما بال قوم يتنزهون عن الشئ أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية )7 .
- عن العرباض بن سارية t قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل : يا رسول الله ، كأن هذه موعظة مودع ، فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش بعدكم سيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين: تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) 8.
3.الأحاديث التي فيها الأمر بسماع السنة وتبليغها ونشرها بين لناس مما يدل على حجيتها:
- قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ( ألا فليبلغ الشاهد الغائب ) 9.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداه ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) 10.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم ارحم خلفائي ، قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك ؟ قال : الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي، ويعلمونها الناس)11.
- قوله صلى الله عليه وسلم: ( بلغوا عني ولو آية وحدثوا عني ولا تكذبوا فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) 12.
دليل الإجماع :
فقد أجمع المسلمون سلفاً وخلفاً على أن السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة شرعية كما نقل عن كثير من العلماء مثل الشافعي وابن عبد البر وابن حزم وابن تيميه وابن القيم مثل قول ابن حزم : ولو أن امرأ قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافر بإجماع الأمة وتواتر عن الأئمة الأربعة نحو هذه العبارة ( إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عرض الحائط ) وقول الشوكاني : ( إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بالتشريع ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام ).
عصمة النبي صلى الله عليه وسلم :
دل الشرع وانعقد الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء معصومون من جميع ما يخل بتبليغ الرسالة من الخطأ والنسيان والكتمان والتقصير والكذب وتسلط الشيطان والأهواء والشك ومن أدلته :
1.دلالة المعجزة : وهي القرآن الذي تحدى به فصحاء العرب يدل على أنه معصوم في جميع ما يبلغ عنه .
2.أن الله قد شهد له بالبلاغ والصدق وأنه متمسك بما أوحي إليه (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) وقال : ( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم *وما غوى وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )18.
3.أخبر القرآن أنه لا يزيد ولا ينقص في الشرع ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) 19.
4.قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) 20.
5.إن الله قد حمى رسوله من إضلال أعداء الإسلام له ( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ )21 فلا يستطيعون التأثير عليه .
6.إنه صلى الله عليه وسلم معصوم من كيد الشيطان ووسوسته وإغوائه، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل منكم قريناً . فقالت عائشة : حتى أنت يا رسول الله ، قال: حتى أنا ولكن الله أعانني عليه فأسلم )13 .
7.شهد الله له في آخر زمنه بإكمال الرسالة ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) 22.
- تعذر العمل بالقرآن وحده :
كبيان كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وبيان نصاب والزكاة في قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة )23 وبيان ما المراد بالحج والعمرة وشروطهما في قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ..) 24وبيان ما هي السرقة الموجبة للقطع وما نصابها وما هو موضع القطع في قوله تعالى ( والساق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله ..) 24.
هل اختلف المتقدمون في حجية السنة
إن حجية السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما علم من الدين بالضرورة لتظاهر لأدلة على ذلك وهو مرتبطة بأصول العقيدة وهي الترجمة الحقيقية للإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقع في ذلك نزاع بين المسلمين ممن يعتد بهم في هذا فكانت من المسلمات الأساسية والبديهية ولذا لم يتناولها المصنفون بالبيان . جاء في كتاب مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت ( إن حجية الكتاب والسنة والقياس من علم الكلام ، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس ، لأنهما كثر فيهما الشغب من الحمقى من الخوارج والروافض ، خذلهم الله تعالى، وأما حجية الكتاب والسنة فمتفق عيها عند الأمة ممن يدعي التدين كافة، فلا حاجة إلى الذكر )
امرأة من بني دينار، أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأُحد، فلما جاءها نعيهم قالت: فما فعل رسول الله ؟ قالوا : خيراً يا أمَّ فلان، هو بحمد الله كما تحبين. قالت : أرنيه حتى أنظرَ إليه ، فأُشير لها إليه ، حتى إذا رأته ، واكتحلت به عينها ، قالت : كل مصيبة بعدك جلل ( ).
وهذا خُبيب بن عبد الله الأنصاري لما بعثه النبي ومعه اثنان من أصحابه عيوناً بمكة واعترضتهم بنو لحيان من هذيل كان من أمر خبيب أنه قال بعد أن أخرجوه لقتله :" اللهم إني لا أجد رسولاً إلى رسولك فبلغه مني السلام"، ما هذا يا خبيب !!؟ أهذا كل همك؟ هلا دعوت للخلاص من كربك! في هذا الموقف يدعو الله أن يبلغ رسوله سلامه !!! لا عجب .. لا غرابة .. إنهم من اصطفاهم الله لنصرة رسوله كما قال ابن مسعود . فنزل جبريل يحمل سلامه إلى الرسول ، ثم صلبوه ، فقال :" اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تُبق منهم أحداً " . فقالوا له - وهو مصلوب نادوه وناشدوه - : أتحبُ أنَّ محمداً مكانَك ؟ فقال: "لا والله العظيم ما أحبُّ أن يَفْدِيَني بشوكة يُشاكها في قدمه" ( ) .
فأي حب هذا الذي حوته قلوبهم لرسول الله !!؟
بعد أحد أرسل النبيُّ رجلاً من الأنصار ليأتي بخبر سعد بن الربيع ، فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق . قال فقلت له : إن رسول الله أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال أنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله عني السلام ، وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ، وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خَلُص إلى نبيكم ومنكم عين تَطْرِف . قال : ثم لم أبرحْ حتى مات ( ).
ومن النماذج ما ثبت في الصحيحين ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : بينا أنا واقف في الصف يوم بدر ، فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما ، تمنيت أن أكون بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما فقال : يا عم هل تعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم ، ما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا . فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر ، فقال لي مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس ، قلت : ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني ، فابتدراه بسيفيهما ، فضرباه حتى قتلاه .
إن المؤمن لا يمكن أن يرضى بالإساءة إلى النبي ..
في يوم بدر يعدل النبي صفوف أصحابه وفي يده قِدحٌ ( ) ، فمر بسواد بن غَزِيَّة - وهو بارز من الصف - فطعن في بطنه بالقدح ، وقال :«استو يا سواد» . فقال يا رسول الله أوجعتني ، وقد بعثك الله بالحق والعدل ، فأقدني ، فكشف رسول الله عن بطنه وقال :«استقد» . فاعتنقه ، فقبل بطنه ، فقال :«ما حملك على هذا يا سواد» ؟ قال : يا رسول الله ، حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك . فدعا له رسول الله بخير( ) .
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا ؟ قَالَ :«إِنْ شِئْتِ» . فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ ، فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ حَتَّى أَخَذَهَا ، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ ( ).