!!
حين جاء الإسلام بنوره الفياض وإشراقته الدائمة؛ شمل البشرية كلها ببركاته المتعددة، وأضفى على الحياة الإنسانية رونقا وجمالا، وبهجة وكمالا؛ وأحكم بنظمه الفريدة وشرائعه الغراء جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، والثقافية والتربوية؛ كما كان للجانب الاجتماعي عموما والأسري على وجه الخصوص؛ حظه الوافر ونصابه المكتمل من العناية والاهتمام والرعاية والتوجيه؛ وما ذلك إلا لكون الأسرة هي اللبنة الأولى وحجر الأساس الأول في بناء المجتمع الإسلامي برمته؛ ومن هنا كانت عناية المجتمع الإسلامي الأول في ع بقضية الأسرة ومنهجية تكوينها بارزة المعالم؛ واضحة الملامح؛ فسادت الحياة الطيبة ربوع تك المجتمعات، وتوطدت العلاقات الاجتماعية بين أبناء المجتمع الواحد، ونجحت الأسرة في تحقيق التعايش الكريم والحياة المطمئنة؛ ومن ثم تفويج الأجيال الصالحة القادرة على العطاء لأمتها بلا حدود أو قيود!
إلا أنه – وللأسف الشديد – مع تقادم الزمن وبعد العهد بعصر النبوة؛ وكنتيجة طبيعية لغربة الإسلام الحاضرة؛ فقد أصاب الأسرة ما أصاب غيرها من التصدع والانهيار؛ فساءت العشرة الزوجية؛ وتفشت الأحقاد والضغائن بين الزوجين المسلمين؛ ولا أدل على ذلك من نشوب ظاهرة ظلم الزوجات، وسوء معاشرتهن، وتضييق الخناق عليهن؛ حتى أصبحت حياة بعضهن جحيما لا يطاق وتعاسة لا تنقضي!
وحتى لا يتهمنا أحد بالبعد عن الموضوعية، أو الانحياز في صف الزوجات، أو الانسياق وراء العاطفة؛ ننبه الجميع إلى إدراكنا التام بأن الزوجة قد تكون هي الظالمة أحيانا!
لكن رغبة في عدم تشتيت الأذهان وتداخل الموضوعات؛ وإيثارا للتركيز وترتيب الأفكار؛ فسأجعل الحديث حول هذه الظاهرة النشاز دون سواها..
فلقد أخذ ظلم الزوجات مظاهر شتى وأنماطا عدة؛ فمستقل ومستكثر؛ وإليك نماذج مما يقع في بيوت المسلمين؛ لتعلم كم نحن بعيدون عن روح الإسلام ومناهجه العادلة وأخلاقه الفاضلة؛ فمن تلك المظاهر:
- إخفاء الزوج عيوبه قبل النكاح؛ إما بالاحتيال والمراوغة، أو بالتدليس والكذب؛ فيخفي عيوبا تضر بالزوجة أو تنغص حياتها على الأقل؛ كأن يكون عقيما أو مريضا، أو مسحورا أو ممسوسا، أو يدعي ما ليس فيه، أو يدعي ما ليس له؛ كأن يدعي أنه صاحب مال بينما هو صعلوك، أو يدعي أنه صاحب أملاك وعقارات بينما هو مثقل بالديون، أو أنه لا يدع الصلاة بالمسجد وهو لا يعرف أين يقع، أو يزعم أنه أعزب وهو متزوج وعنده أولاد؛ ونحو ذلك من الدجل الفاضح والكذب الصراح!
وقد يتخذ ظلم الزوجات طابع الإخلال بشروط اشترطت على الزوج عند عقد النكاح؛ كأن تشترط الزوجة إكمال دراستها، أو السكنى في بيت مستقل؛ فيوافق الزوج ويمضي على عقد النكاح ويظهر الرضا والاقتناع؛ ثم حين يظفر بزوجته ويعلو صراخ مولوده الأول يبدأ مسلسل الابتزاز واللؤم؛ وتظهر بوادر الخسة والدناءة؛ فيخير زوجته بين قبول الأمر الواقع والتخلي عن شروطها ومطالبها أو التهديد بورقة الطلاق الشهيرة وأخذ الأولاد وتشتيت الأسرة؛ إلى أخر الأسطوانة المعروفة!
أرأيت أخي المسلم كيف ينقلب الإنسان إلى ظالم متجبر وهمجي مستبد؛ حين يموت ضميره ويضعف إيمانه؟!يوم كانت المرأة في بيت أبيها مصونة محفوظة؛ لا سلطان للزوج عليها؛ كان الزوج في غاية الرقة واللين؛ يقطر حياء وأدبا؛ حتى إذا ما وقعت الفريسة بين براثنه؛ كشر عن أنيابه وظهر زيفه ودجله؛ وأخذ يماطل ويراوغ ونسي أن للمظلوم دعوة لا ترد.
وأما سوء العشرة وقسوة المعاملة؛ فحدث ولا حرج؛ فقد تعسف بعض الأشقياء في معاملة زوجاتهم، وأساءوا استخدام حق القوامة؛ وحسبوا الرجولة والشجاعة في إهانة أولئك الضعيفات من خلال كثرة السباب والشتم وتقطيب الجبين والحاجب، وإظهار العبوس والتبرم؛ فلا يعجبه عجب ولا يرضيه شيء!
دائم الاعتراض؛ كثير الشكوى؛ لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال؛ إن نامت زوجته أيقظها، وإن استيقظت أهملها، إن جلست أوقفها؛ وإن قامت أقعدها!
وهو فوق ذلك كله لا يكف عن الاستهزاء بها والسخرية منها والتندر بشخصها وشخصيتها؛ يخلع عليها أسوأ الألقاب، ويناديها بأقبح الأنساب؛ وقد يبالغ في إهانتها أمام أولادها خاصة؛ مما ينقص هيبتها ويجرح كرامتها ويعصف بكبريائها؛ ومن ثم يفقدها احترام أولادها ويسلطهم عليها!
وقد تتعدى إهانة الزوجة إلى إهانة أهلها وذويها والسخرية منهم والتندر بهم؛ فأبوها الذي كان ملئ السمع والبصر؛ رفيع القدر والمنزلة قبيل توقيع عقد النكاح؛ أصبح اليوم الرجل المخرف, والعجوز الأشيمط،! وقس مثل ذلك في حق بقية العائلة الكريمة؛ فلكل منهم نصيبه كامل غير منقوص من قاموس الألقاب الصبيانية!!
وأسوأ من سابقه؛ أن يتسلط بعضهم على زوجته بالضرب؛ نعم بالضرب..؛ بل هو ضرب من نوع خاص؛ لا تفيق معه الضحية إلا بعد سويعات من العناية المركزة والرعاية المكثفة بعد أن تكون قد فقدت بضع لترات من دمائها الزكية إرضاء لغرور ذلك المستبد؛ المتلذذ برؤية الضحية تنزف من كل اتجاه!!
ولا يظن أحد أن في هذا الكلام تهويلا أو مبالغة؛ إذ لا يدرك ذلك إلا من اطلع على ما يكتبه بعض تلك الزوجات يشكون وحشية أزواجهن – أستغفر الله – بل جلاديهن الذين لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلوبهم أو الشفقة سبيلا إلى نفوسهم؛ لكن الذي يده في النار ليس كالذي يده في الطين!!
ومن مظاهر ظلم الزوجات كذلك: ظلم الزوجة في حر مالها؛ كالذين يستولون على مرتبات زوجاتهم من المدرسات وأمثالهن بحجة بناء المستقبل المشترك، أو الاحتياط لنوائب الدهر والزمان، أو بدعوى تشغيله وإنمائه ونحو تلك الدعاوى؛ حتى إذا طلبت الزوجة فكرة أو بعض فكرة عن مصير أموالها أو احتاجت بعضا من حلالها، أو رغبت في كشف حساب لرصيدها؛ جاءها كشف الحساب بأصفار أربعة؛ صفران للهللات وصفران للريالات فإن أعجبك وإلا اشربي من البحر أيتها الزوجة المصون!!
وقد تمتنع الزوجة من إعطاء مالها؛ فيقلب حياتها جحيما، ويضرم بيتها نارا؛ حتى ترضخ لمطامعه وتنزل عند مطالبه؛ وما درى المسكين أنه يأكل سحتا؛ وكل جسد نمى من سحت فالنار أولى به!!
وقد يتخذ ظلم الزوجة هيئة أخرى؛ فحين يرغب الزوج في مفارقة زوجته لأمر ما؛ فإنه لا يلج البيوت من أبوابها فيسرحها بإحسان؛ ولكنه يلجأ إلى طريقة جبانة وحيلة دنيئة؛ فليجأ إلى عضل زوجته وعسفها وقهرها بشتى الوسائل وبكل السبل؛ كي يلجئها إلجاء إلى طلب الخلع ليحصل على مقابل مادي عوضا عن خلعه إياها؛ فهذا اللئيم يعرف أنه حين يطلق زوجته برغبته فإنه لن يحصل على شيء مقابل ذلك؛ لذا تراه يبذل وسعه وغايته في تنغيص عيشتها وتكسير خاطرها؛ لتطلب هي الفراق وترضى بالمخالعة؛ وقد فضح الله جل جلاله هذا النوع من اللئام فقال جل وعلا: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ)[النساء: 19]
وأما إهمال البيت والنظر في احتياجات الزوجة ومطالبها فحدث ولا حرج؛ إذ لا وقت لدى البعض لتحقيق شيء من ذلك؛ فبرنامجه حافل بالعطاء؛ مليء بالإنجازات الباهرة؛ فهو يعود من عمله لينام حتى الغروب؛ ينطلق بعضها إلى رفاقه في السوء؛ حيث تبدأ ساعات الأنس والسمر والسهر حتى ساعات الصباح الأولى؛ فيعود بعدها إلى البيت مجهدا مسنودا، بعد نصر بطولي وكفاح رجولي في لعب الورق وقتل الفراغ؛ فقل لي بربك متى يحقق طلبات البيت وكيف يقوم بالواجب؟ّ!..؛ وقد يكمل مشواره في التعسف على زوجته وقهرها من خلال التقتير عليها وغل اليد عن الإنفاق عليها أو الإحسان إليها!!
ونوع أخر من الأزواج يسلك طريقا غريبا في ظلم زوجته وتعذيبها من خلال التلاعب بأعصابها واللعب بمشاعرها وعواطفها؛ حين يظل ساعات الليل والنهار يطلق نكاته السمجة ومداعباته الثقيلة، ويعلن عن رغبته الملحة في الزوجة الثانية؛ فيسمع زوجته دون مراعاة لشعورها أو مداراة لأحاسيسها!!
أواه؛ ألا ليت الزوجة الثانية!
ما أسعد فلان بزوجته الثانية!
وما أسعد فلان بزوجته الرابعة!
أوّاه؛ العين بصيرة واليد قصيرة !
ثم يخاطب زوجته بكل سفه وتبجح: ( أيا فلانة: ألا تخطبين لي؟..؛ ألا تزوجينني؟.. )؛ إنه لا يجيد غير هذا الحديث، ولا يحسن سوى هذا الكلام، ولا يتفوه إلا بهذه القضية؛ وكأن مشاكل المسلمين قد حلت كلها ولم يبق إلا هو ليتزوج الزوجة الثانية!
إما أن يكون رجلا فيتزوج الأخرى بصمت تام، أو يكف عن هذا الزن والضجيج؛ فليس في الزواج من الثانية محظور في الشرع أو العقل؛ ولكن المحظور كثرة اللت والعجن والهراء الفارغ المثير للأعصاب المستفز للشعور!!!
وقريبا من سابقه؛ بل أسوأ منه؛ عدم العدل بين الزوجات؛ وما أكثر ما يقع هذا لدى المعددين!..؛ وما أدراك ما المعددون!..؛ فبعضهم يميل بقلبه ودراهمه نحو الزوجة الجديدة؛ فالمسكن الفخم من نصيبها، والخدم والحشم تحت تصرفها!
وأما رفيقة العمر وأم الأولاد ففي البيت الشعبي الذي قدم الزمان عليه وأصبح مرتعا للحيوانات الأليفة وغير الأليفة!
وقد يحدث النقيض؛ فالزوجة الأولى في قصرها المهيب وفنائها الكسيح، وبين أثاثها النادر، وأما الجديدة ففي شقة لا يساوي إجمالي مساحتها مساحة بهو القصر الآنف ذكره؛ فأين العدل بين الزوجات؟!..؛ أجيبوا أيها المعددون.
حين جاء الإسلام بنوره الفياض وإشراقته الدائمة؛ شمل البشرية كلها ببركاته المتعددة، وأضفى على الحياة الإنسانية رونقا وجمالا، وبهجة وكمالا؛ وأحكم بنظمه الفريدة وشرائعه الغراء جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، والثقافية والتربوية؛ كما كان للجانب الاجتماعي عموما والأسري على وجه الخصوص؛ حظه الوافر ونصابه المكتمل من العناية والاهتمام والرعاية والتوجيه؛ وما ذلك إلا لكون الأسرة هي اللبنة الأولى وحجر الأساس الأول في بناء المجتمع الإسلامي برمته؛ ومن هنا كانت عناية المجتمع الإسلامي الأول في ع بقضية الأسرة ومنهجية تكوينها بارزة المعالم؛ واضحة الملامح؛ فسادت الحياة الطيبة ربوع تك المجتمعات، وتوطدت العلاقات الاجتماعية بين أبناء المجتمع الواحد، ونجحت الأسرة في تحقيق التعايش الكريم والحياة المطمئنة؛ ومن ثم تفويج الأجيال الصالحة القادرة على العطاء لأمتها بلا حدود أو قيود!
إلا أنه – وللأسف الشديد – مع تقادم الزمن وبعد العهد بعصر النبوة؛ وكنتيجة طبيعية لغربة الإسلام الحاضرة؛ فقد أصاب الأسرة ما أصاب غيرها من التصدع والانهيار؛ فساءت العشرة الزوجية؛ وتفشت الأحقاد والضغائن بين الزوجين المسلمين؛ ولا أدل على ذلك من نشوب ظاهرة ظلم الزوجات، وسوء معاشرتهن، وتضييق الخناق عليهن؛ حتى أصبحت حياة بعضهن جحيما لا يطاق وتعاسة لا تنقضي!
وحتى لا يتهمنا أحد بالبعد عن الموضوعية، أو الانحياز في صف الزوجات، أو الانسياق وراء العاطفة؛ ننبه الجميع إلى إدراكنا التام بأن الزوجة قد تكون هي الظالمة أحيانا!
لكن رغبة في عدم تشتيت الأذهان وتداخل الموضوعات؛ وإيثارا للتركيز وترتيب الأفكار؛ فسأجعل الحديث حول هذه الظاهرة النشاز دون سواها..
فلقد أخذ ظلم الزوجات مظاهر شتى وأنماطا عدة؛ فمستقل ومستكثر؛ وإليك نماذج مما يقع في بيوت المسلمين؛ لتعلم كم نحن بعيدون عن روح الإسلام ومناهجه العادلة وأخلاقه الفاضلة؛ فمن تلك المظاهر:
- إخفاء الزوج عيوبه قبل النكاح؛ إما بالاحتيال والمراوغة، أو بالتدليس والكذب؛ فيخفي عيوبا تضر بالزوجة أو تنغص حياتها على الأقل؛ كأن يكون عقيما أو مريضا، أو مسحورا أو ممسوسا، أو يدعي ما ليس فيه، أو يدعي ما ليس له؛ كأن يدعي أنه صاحب مال بينما هو صعلوك، أو يدعي أنه صاحب أملاك وعقارات بينما هو مثقل بالديون، أو أنه لا يدع الصلاة بالمسجد وهو لا يعرف أين يقع، أو يزعم أنه أعزب وهو متزوج وعنده أولاد؛ ونحو ذلك من الدجل الفاضح والكذب الصراح!
وقد يتخذ ظلم الزوجات طابع الإخلال بشروط اشترطت على الزوج عند عقد النكاح؛ كأن تشترط الزوجة إكمال دراستها، أو السكنى في بيت مستقل؛ فيوافق الزوج ويمضي على عقد النكاح ويظهر الرضا والاقتناع؛ ثم حين يظفر بزوجته ويعلو صراخ مولوده الأول يبدأ مسلسل الابتزاز واللؤم؛ وتظهر بوادر الخسة والدناءة؛ فيخير زوجته بين قبول الأمر الواقع والتخلي عن شروطها ومطالبها أو التهديد بورقة الطلاق الشهيرة وأخذ الأولاد وتشتيت الأسرة؛ إلى أخر الأسطوانة المعروفة!
أرأيت أخي المسلم كيف ينقلب الإنسان إلى ظالم متجبر وهمجي مستبد؛ حين يموت ضميره ويضعف إيمانه؟!يوم كانت المرأة في بيت أبيها مصونة محفوظة؛ لا سلطان للزوج عليها؛ كان الزوج في غاية الرقة واللين؛ يقطر حياء وأدبا؛ حتى إذا ما وقعت الفريسة بين براثنه؛ كشر عن أنيابه وظهر زيفه ودجله؛ وأخذ يماطل ويراوغ ونسي أن للمظلوم دعوة لا ترد.
وأما سوء العشرة وقسوة المعاملة؛ فحدث ولا حرج؛ فقد تعسف بعض الأشقياء في معاملة زوجاتهم، وأساءوا استخدام حق القوامة؛ وحسبوا الرجولة والشجاعة في إهانة أولئك الضعيفات من خلال كثرة السباب والشتم وتقطيب الجبين والحاجب، وإظهار العبوس والتبرم؛ فلا يعجبه عجب ولا يرضيه شيء!
دائم الاعتراض؛ كثير الشكوى؛ لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال؛ إن نامت زوجته أيقظها، وإن استيقظت أهملها، إن جلست أوقفها؛ وإن قامت أقعدها!
وهو فوق ذلك كله لا يكف عن الاستهزاء بها والسخرية منها والتندر بشخصها وشخصيتها؛ يخلع عليها أسوأ الألقاب، ويناديها بأقبح الأنساب؛ وقد يبالغ في إهانتها أمام أولادها خاصة؛ مما ينقص هيبتها ويجرح كرامتها ويعصف بكبريائها؛ ومن ثم يفقدها احترام أولادها ويسلطهم عليها!
وقد تتعدى إهانة الزوجة إلى إهانة أهلها وذويها والسخرية منهم والتندر بهم؛ فأبوها الذي كان ملئ السمع والبصر؛ رفيع القدر والمنزلة قبيل توقيع عقد النكاح؛ أصبح اليوم الرجل المخرف, والعجوز الأشيمط،! وقس مثل ذلك في حق بقية العائلة الكريمة؛ فلكل منهم نصيبه كامل غير منقوص من قاموس الألقاب الصبيانية!!
وأسوأ من سابقه؛ أن يتسلط بعضهم على زوجته بالضرب؛ نعم بالضرب..؛ بل هو ضرب من نوع خاص؛ لا تفيق معه الضحية إلا بعد سويعات من العناية المركزة والرعاية المكثفة بعد أن تكون قد فقدت بضع لترات من دمائها الزكية إرضاء لغرور ذلك المستبد؛ المتلذذ برؤية الضحية تنزف من كل اتجاه!!
ولا يظن أحد أن في هذا الكلام تهويلا أو مبالغة؛ إذ لا يدرك ذلك إلا من اطلع على ما يكتبه بعض تلك الزوجات يشكون وحشية أزواجهن – أستغفر الله – بل جلاديهن الذين لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلوبهم أو الشفقة سبيلا إلى نفوسهم؛ لكن الذي يده في النار ليس كالذي يده في الطين!!
ومن مظاهر ظلم الزوجات كذلك: ظلم الزوجة في حر مالها؛ كالذين يستولون على مرتبات زوجاتهم من المدرسات وأمثالهن بحجة بناء المستقبل المشترك، أو الاحتياط لنوائب الدهر والزمان، أو بدعوى تشغيله وإنمائه ونحو تلك الدعاوى؛ حتى إذا طلبت الزوجة فكرة أو بعض فكرة عن مصير أموالها أو احتاجت بعضا من حلالها، أو رغبت في كشف حساب لرصيدها؛ جاءها كشف الحساب بأصفار أربعة؛ صفران للهللات وصفران للريالات فإن أعجبك وإلا اشربي من البحر أيتها الزوجة المصون!!
وقد تمتنع الزوجة من إعطاء مالها؛ فيقلب حياتها جحيما، ويضرم بيتها نارا؛ حتى ترضخ لمطامعه وتنزل عند مطالبه؛ وما درى المسكين أنه يأكل سحتا؛ وكل جسد نمى من سحت فالنار أولى به!!
وقد يتخذ ظلم الزوجة هيئة أخرى؛ فحين يرغب الزوج في مفارقة زوجته لأمر ما؛ فإنه لا يلج البيوت من أبوابها فيسرحها بإحسان؛ ولكنه يلجأ إلى طريقة جبانة وحيلة دنيئة؛ فليجأ إلى عضل زوجته وعسفها وقهرها بشتى الوسائل وبكل السبل؛ كي يلجئها إلجاء إلى طلب الخلع ليحصل على مقابل مادي عوضا عن خلعه إياها؛ فهذا اللئيم يعرف أنه حين يطلق زوجته برغبته فإنه لن يحصل على شيء مقابل ذلك؛ لذا تراه يبذل وسعه وغايته في تنغيص عيشتها وتكسير خاطرها؛ لتطلب هي الفراق وترضى بالمخالعة؛ وقد فضح الله جل جلاله هذا النوع من اللئام فقال جل وعلا: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ)[النساء: 19]
وأما إهمال البيت والنظر في احتياجات الزوجة ومطالبها فحدث ولا حرج؛ إذ لا وقت لدى البعض لتحقيق شيء من ذلك؛ فبرنامجه حافل بالعطاء؛ مليء بالإنجازات الباهرة؛ فهو يعود من عمله لينام حتى الغروب؛ ينطلق بعضها إلى رفاقه في السوء؛ حيث تبدأ ساعات الأنس والسمر والسهر حتى ساعات الصباح الأولى؛ فيعود بعدها إلى البيت مجهدا مسنودا، بعد نصر بطولي وكفاح رجولي في لعب الورق وقتل الفراغ؛ فقل لي بربك متى يحقق طلبات البيت وكيف يقوم بالواجب؟ّ!..؛ وقد يكمل مشواره في التعسف على زوجته وقهرها من خلال التقتير عليها وغل اليد عن الإنفاق عليها أو الإحسان إليها!!
ونوع أخر من الأزواج يسلك طريقا غريبا في ظلم زوجته وتعذيبها من خلال التلاعب بأعصابها واللعب بمشاعرها وعواطفها؛ حين يظل ساعات الليل والنهار يطلق نكاته السمجة ومداعباته الثقيلة، ويعلن عن رغبته الملحة في الزوجة الثانية؛ فيسمع زوجته دون مراعاة لشعورها أو مداراة لأحاسيسها!!
أواه؛ ألا ليت الزوجة الثانية!
ما أسعد فلان بزوجته الثانية!
وما أسعد فلان بزوجته الرابعة!
أوّاه؛ العين بصيرة واليد قصيرة !
ثم يخاطب زوجته بكل سفه وتبجح: ( أيا فلانة: ألا تخطبين لي؟..؛ ألا تزوجينني؟.. )؛ إنه لا يجيد غير هذا الحديث، ولا يحسن سوى هذا الكلام، ولا يتفوه إلا بهذه القضية؛ وكأن مشاكل المسلمين قد حلت كلها ولم يبق إلا هو ليتزوج الزوجة الثانية!
إما أن يكون رجلا فيتزوج الأخرى بصمت تام، أو يكف عن هذا الزن والضجيج؛ فليس في الزواج من الثانية محظور في الشرع أو العقل؛ ولكن المحظور كثرة اللت والعجن والهراء الفارغ المثير للأعصاب المستفز للشعور!!!
وقريبا من سابقه؛ بل أسوأ منه؛ عدم العدل بين الزوجات؛ وما أكثر ما يقع هذا لدى المعددين!..؛ وما أدراك ما المعددون!..؛ فبعضهم يميل بقلبه ودراهمه نحو الزوجة الجديدة؛ فالمسكن الفخم من نصيبها، والخدم والحشم تحت تصرفها!
وأما رفيقة العمر وأم الأولاد ففي البيت الشعبي الذي قدم الزمان عليه وأصبح مرتعا للحيوانات الأليفة وغير الأليفة!
وقد يحدث النقيض؛ فالزوجة الأولى في قصرها المهيب وفنائها الكسيح، وبين أثاثها النادر، وأما الجديدة ففي شقة لا يساوي إجمالي مساحتها مساحة بهو القصر الآنف ذكره؛ فأين العدل بين الزوجات؟!..؛ أجيبوا أيها المعددون.