في بيتنا مراهق..!!
يا ناس.. دعوني وشأني!!
* المراهقة امتداد للطفولة قبل أن تكون سلما للرشد!
* مراهقة الأرياف أقل خطرا.. والاستقلال الاقتصادي مؤثر..!
* تصور أن الانفتاح والاختلاط هو الحل.. استجارة من الرمضاء بالنار!
* عطاء الأرواح قبل عطاء الأبدان.. فهل يتنبّه المربون؟!
"في بيتنا مراهق".. هل أصبحت لافتة أو شعار تعلن به حالة الطوارئ في البيوت؟!
كثيرون يلقون باللائمة في مشكلات المراهقة وتداعياتها على الآباء وتقصيرهم في التربية الصالحة والتعاهد المستمر.. وآخرون يلومون المراهق نفسه وينعتونه بالعقوق والتمرد والفوضوية. لكن الذين ينظرون للقضية نظرة منهجية شمولية متأنية هم الأقلية بين الفريقين؛ ومن هنا فإن البيوت التي تتجاوز هذه المرحلة بسلام هي – للأسف - أقل من البيوت التي تمر خلالها بمنعطفات ومشكلات..!
امتداد للطفولة..!
تعرف المراهقة في علم النفس بأنها: الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. فهي إذن لا تعني النضج نفسه، وذلك - كما يقول المتخصصون - أن الانتقال من الطفولة إلى المراهقة، ثم من المراهقة إلى ما بعدها.. يكون تدريجيا، من خلال تغييرات متتابعة.. فترى ارتباطا وتداخلا بالمراحل السابقة واللاحقة خلال فترة المراهقة.
وتراوح فترة المراهقة غالبا بين 12-21 سنة، وتستمر هذه المرحلة في التدرج مع ظهور التغيرات الفسيولوجية والعاطفية والنفسية على المراهق.
يقول "عبدالرحمن العيسوي" في "سيكولوجيا المراهق المسلم المعاصر":
إن "النمو لا ينتقل من مرحلة إلى مرحلة فجأة، ولكنه تدريجي، ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالاً تدريجياً، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه، فالمراهقة تعد امتداداً لمرحلة الطفولة، وإن كان هذا لا يمنع من امتيازها بخصائص معينة تميزها من مرحلة الطفولة"..
انطلاقا من هذا الفهم يستطيع الآباء والأمهات استلهام الحكمة في التعامل مع أحوال المراهقين، وعدم تحميلهم فوق طاقاتهم. وتجنب الأساليب الخاطئة في مواجهة تصرفاتهم.
خطيرة وأخطر.. وأقل خطرا!!
يرى باحثون أن المراهق بحاجة إلى عناصر خمسة: الحب والأمان، الاحترام، إثبات الذات، المكانة الاجتماعية، التوجيه الإيجابي.
وبقدر توفر هذه العناصر.. يتحقق للمراهق اجتياز مرحلته بسلام والعبور عليها إلى بر الأمان. كما أن قوة الارتباط والصلات بين المراهق ووالديه، ومشاركته معهما في بعض الأعمال، لها أكبر الأثر في تعزيز الثقة بالنفس وتخفيف حدة الكثير من عوارض المراهقة. وقد أفادت دراسات وإحصاءات بأن تأثير المراهقة ومظاهرها تكون أخف في الريف منها في المدن؛ لما يتميز به الريف من البساطة وسهولة اختلاط الأطفال في مجالس الرجال ومشاركتهم في أعمالهم كالزراعة والرعي وغيرها.
يضاف إلى ما سبق مسألة الاستقلال الاقتصادي؛ وعدم تأخر الزواج كثيرا، فلذلك أثره في تجنب المراهقين للأزمات النفسية أووقوعهم فيها.. "وتزداد أزمة المراهقة كلما طال البعد الزمني الذي يفصل بين البلوغ والاستقلال الاقتصادي، فكلما استطاع المراهق أن يحقق لنفسه الاستقلال الاقتصادي وتكوين الأسرة قلّت فترة تعرضه للأزمات النفسية"!
هل يستجار من الرمضاء بالنار؟!
ربما يلاحظ قلة تأثير المراهقة ومظاهرها في المجتمعات الأوروبية؛ وما شابهها من المجتمعات حيث تقل الرقابة أو تنعدم من المجتمع والأسرة على المراهقين؛ فيختلط الفتيان والفتيات بسهولة، ويمارس المراهقون رغائبهم الخاصة من لباس وتسلية ولهو ورفاق..!!
ولكن المتأمل البصير يرى في المقابل ما آلت إليه أحوال المجتمعات المنفلتة من فساد وانهيار وشيوع حالات الانتحار وزنا المحارم وغيرها من مظاهر الضياع والتفكك في الأسر والمجتمعات.
ولن يكون تصور الانفتاح المتسيب والتحلل من الأخلاق بحال هو الدواء الناجع لمشكلات المراهقة؛ وهل يستجار من الرمضاء بالنار؟!
فقد نقلت دراسة أمريكية - أجريت على 12 ألف مواطن مـن مختلف شرائح المجتمع - عن 22% ممن سئلوا عن أول تجربة لممارسة الجنس قولهم: إن أول تجربة جنسية لهم كانت في سن العاشرة، وأنها كانت في فراش النوم، وأنها كانت مع الأخ أو الأخت أو الأم!!
نعم قد يلاحظ في مجتمعاتنا المحافظة أن القيود والتقاليد والرقابة المشددة على الفتاة والشاب، إذا استحالت شكا وريبة وبطشا وغلظة، تؤدي إلى الانحراف وارتكاب الأخطاء في السـر بعيدا عن أعين الرقابة. ومن هنا تنشأ رفقة السوء.. لدى الفتيان والفتيات، وينزلق من ينزلق إلى متاهات المخدرات والرذيـلة وغيرهما من الآفات والانحرافات.
وقد أكدت دراسات علمية أن أكثر من 80% مـن مشكلات المراهقين في العالم العربي هي نتيجة مباشـرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم وفق آرائهم وعـاداتهم وتقاليـد مجتمعاتهم، لذا يحجم الأبناء عن الحـوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآبـاء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها أو حلها!
وهنا يتضح بجلاء أن الخلل هو في المربي ووسائله، لا في التربية نفسها التي تسعى بالمراهق نحو الصلاح والاستقامة، ويراعى فيها الحكمة والرفق والتدرج.. كما جاء بذلك الشرع المطهر.
ولو أن الأولياء والقائمين بالتربية استلهموا فقه الدعوة الصحيح وطرائق التربية من القرآن والسنة والسيرة، وتجنبوا استعجال الثمرة، واستعانوا بالصبر والأناة، والرفق والحنان؛ لجنوا ثمارا كثيرة يفسدها العنف والتسرّع!
آفاق تربوية بين الأمس واليوم!
مما سبق يتبين أن المراقبة الحكيمة والوقاية والإرشاد من أنجع السبل لاجتياز المراهق شاطئ المراهقة الى بر الأمان ومرحلة الزواج، وعدم الانزلاق في مستنقعات الغريزة الآنية، ويتم ذلك بالتربية السليمة التي ننشدها جميعا لأطفالنا.. لكن - كما يقول مختصون -: "يخطئ كثيرا من يريد أن يكون أبناؤه المراهقون مثل الصحابـة والتابعيـن في مراهقتهم! فلا مجال للمقارنة بيـن حياتهم وبين واقعنا، فقد كانت حياة الصحابـة والتابعيـن - رضـوان الله عليهم - مليئة بالإيمان، وكانت هممهم عالية، وتربيتهم إيمانية؛ يرتشفون الجانب الروحـي مـع حليب أمهاتهم؛ فشبـوا على ذلك في الكبر. أمـا شبابنا اليوم فالبعض منهم تربوا على القنوات الفضائية، ومنهم مـن ارتشفوا في المهد حنان الخادمة أو المربية! وحال بعض البيوت الآن هو: أم تخلت وأب مشغـول. وهذا لايعني بأي حـال إهمـال الأسرة أو المدرسة للتربية الدينية، وتقديـم القدوة الصالحة لهؤلاء المراهقين، بـل إشباع حاجاتهم بالطـرق التربوية السليمة أمـر ضروري؛ لأن عدم إشباعها يؤدي إلى ازديـاد متاعبهم ومشكلاتهم، وتكون مواجهة هذه الحاجـات بالتوجيه والإرشاد وتقديـم الخدمات المناسبة في البيت والمدرسة وكافـة المؤسسـات المعنية بذلك".
وإن أبوين رشيدين لجديرين – بإذن الله تعالى – أن يصلا بفلذات أكبادهما إلى بر الأمان، والعبور على جسر المراهقة إلى مزيد من النضج والاستقرار النفسي والعاطفي؛ بحسن الغرس والتعاهد والتربية والاحتواء؛ في ظلال الشرع الحكيم..
ومن الوسائل المعينة على ذلك:
- إبعادهم عن مشاهدة الأفلام والصور المثيرة، ولبس الملابس غير اللائقة في البيت أمام الجنس الآخر، وعدم تركهم في نزهات خارجية أو أسفار بلا مرافق أمين.
- تفقيههم في الدين بشرح معانى البلوغ والدورة والاحتلام وكيفية التعامل معها.
- تحذيرهم من مصاحبة رفاق السوء، وإرشادهم إلى صفات الرفقة الصالحة.
- توضيح معنى الاعتداء الجنسي وبيان أخطاره.
وغير ذلك من الوسائل، بالإضافة إلى المصارحة والصدق عند وقوع الأخطاء، وعدم تركها تكبر فيصعب علاجها!
وبكل حال.. فإن الآباء والأمهات الذين يبنون جسورا من الود والصدق والصداقة مع أولادهم، ويسدون ثغرات الفراغ العاطفي لدى بنيهم وبناتهم هم أقرب الناس إلى تنشئة أجيال صالحة مصلحة!
الاستثمار الإيجابي.. الحل المزدوج!
أثبتت دراسة قامت بها "Gssw" (وكالة أمريكية متخصصة في الدراسات الاجتماعية) على 400 طفل ومراهق أعمارهم بيـن 5 -21 أن المراهقين في الأسر المتماسكة التي يتصف أفرادها بالترابـط واتخـاذ القرارات المهمة في مجـالس عائلية يشارك فيها كل الأفراد، ويهتم أفرادها بعضهم بشؤون بعض، هم الأقل ضغوطًـا والأكثر إيجابية في النظرة للحيـاة وشؤونـها ومشاكلها.. والعكس بالعكس.
فإذا كان هذا مع فقدان العقيدة الحقة - أعظم رباط يربط الناس في الحياة – فما بالنا إذا سادت هذه الأجواء في ظل سلامة المعتقد؟!
إن الحل الأمثل في مواجهة مشكلات المراهقة هو التربية الصالحة الرشيدة التي تجمع بين الحكمة والموعظة الحسنة والنصح والإرشاد من ناحية، والرفق والحنان وملء الفراغ النفسي والعاطفي من جهة أخرى؛ وبهذا نتجاوز كون هذا الحل مجرد حل للمشكلات إلى جعله استغلالا للطاقات وتوجيهها لما ينفع المراهق ومجتمعه وأمته، وينشئ منه شخصية إيجابية فاعلة.
حرية منضبطة.. صداقة ودودة.. هوايات مفيدة.. تشجيع وتنمية للمواهب.. تدريب على تحمل المسؤولية... هذا ما يريده المراهق، بعد تقوى الله وغرس الصلاح في نفسه والدعاء له..!
يلخص ذلك كله همسة في آذان الآباء والأمهات:
أولادكم بحاجة إلى أكثر من تأمين المأكل والمشرب والملبس والمصروف المدرسي!!
إنهم بحاجة إلى عطاء أرواحكم قبل عطاء أبدانكم.. بحاجة إلى مزيد من القرب منهم.. مزيد من الاهتمام والاحترام لأفكارهم ومشاعرهم.. مزيد من التواصل مع همومهم الصغيرة وهممهم العالية..
بحاجة إلى احتضان دافئ لمكنونات هذه القلوب الغضة الرائعة.
وإنها قبل ذلك كله لأمانة عظيمة.. وسوف تُسألون..!
يا ناس.. دعوني وشأني!!
* المراهقة امتداد للطفولة قبل أن تكون سلما للرشد!
* مراهقة الأرياف أقل خطرا.. والاستقلال الاقتصادي مؤثر..!
* تصور أن الانفتاح والاختلاط هو الحل.. استجارة من الرمضاء بالنار!
* عطاء الأرواح قبل عطاء الأبدان.. فهل يتنبّه المربون؟!
"في بيتنا مراهق".. هل أصبحت لافتة أو شعار تعلن به حالة الطوارئ في البيوت؟!
كثيرون يلقون باللائمة في مشكلات المراهقة وتداعياتها على الآباء وتقصيرهم في التربية الصالحة والتعاهد المستمر.. وآخرون يلومون المراهق نفسه وينعتونه بالعقوق والتمرد والفوضوية. لكن الذين ينظرون للقضية نظرة منهجية شمولية متأنية هم الأقلية بين الفريقين؛ ومن هنا فإن البيوت التي تتجاوز هذه المرحلة بسلام هي – للأسف - أقل من البيوت التي تمر خلالها بمنعطفات ومشكلات..!
امتداد للطفولة..!
تعرف المراهقة في علم النفس بأنها: الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. فهي إذن لا تعني النضج نفسه، وذلك - كما يقول المتخصصون - أن الانتقال من الطفولة إلى المراهقة، ثم من المراهقة إلى ما بعدها.. يكون تدريجيا، من خلال تغييرات متتابعة.. فترى ارتباطا وتداخلا بالمراحل السابقة واللاحقة خلال فترة المراهقة.
وتراوح فترة المراهقة غالبا بين 12-21 سنة، وتستمر هذه المرحلة في التدرج مع ظهور التغيرات الفسيولوجية والعاطفية والنفسية على المراهق.
يقول "عبدالرحمن العيسوي" في "سيكولوجيا المراهق المسلم المعاصر":
إن "النمو لا ينتقل من مرحلة إلى مرحلة فجأة، ولكنه تدريجي، ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالاً تدريجياً، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه، فالمراهقة تعد امتداداً لمرحلة الطفولة، وإن كان هذا لا يمنع من امتيازها بخصائص معينة تميزها من مرحلة الطفولة"..
انطلاقا من هذا الفهم يستطيع الآباء والأمهات استلهام الحكمة في التعامل مع أحوال المراهقين، وعدم تحميلهم فوق طاقاتهم. وتجنب الأساليب الخاطئة في مواجهة تصرفاتهم.
خطيرة وأخطر.. وأقل خطرا!!
يرى باحثون أن المراهق بحاجة إلى عناصر خمسة: الحب والأمان، الاحترام، إثبات الذات، المكانة الاجتماعية، التوجيه الإيجابي.
وبقدر توفر هذه العناصر.. يتحقق للمراهق اجتياز مرحلته بسلام والعبور عليها إلى بر الأمان. كما أن قوة الارتباط والصلات بين المراهق ووالديه، ومشاركته معهما في بعض الأعمال، لها أكبر الأثر في تعزيز الثقة بالنفس وتخفيف حدة الكثير من عوارض المراهقة. وقد أفادت دراسات وإحصاءات بأن تأثير المراهقة ومظاهرها تكون أخف في الريف منها في المدن؛ لما يتميز به الريف من البساطة وسهولة اختلاط الأطفال في مجالس الرجال ومشاركتهم في أعمالهم كالزراعة والرعي وغيرها.
يضاف إلى ما سبق مسألة الاستقلال الاقتصادي؛ وعدم تأخر الزواج كثيرا، فلذلك أثره في تجنب المراهقين للأزمات النفسية أووقوعهم فيها.. "وتزداد أزمة المراهقة كلما طال البعد الزمني الذي يفصل بين البلوغ والاستقلال الاقتصادي، فكلما استطاع المراهق أن يحقق لنفسه الاستقلال الاقتصادي وتكوين الأسرة قلّت فترة تعرضه للأزمات النفسية"!
هل يستجار من الرمضاء بالنار؟!
ربما يلاحظ قلة تأثير المراهقة ومظاهرها في المجتمعات الأوروبية؛ وما شابهها من المجتمعات حيث تقل الرقابة أو تنعدم من المجتمع والأسرة على المراهقين؛ فيختلط الفتيان والفتيات بسهولة، ويمارس المراهقون رغائبهم الخاصة من لباس وتسلية ولهو ورفاق..!!
ولكن المتأمل البصير يرى في المقابل ما آلت إليه أحوال المجتمعات المنفلتة من فساد وانهيار وشيوع حالات الانتحار وزنا المحارم وغيرها من مظاهر الضياع والتفكك في الأسر والمجتمعات.
ولن يكون تصور الانفتاح المتسيب والتحلل من الأخلاق بحال هو الدواء الناجع لمشكلات المراهقة؛ وهل يستجار من الرمضاء بالنار؟!
فقد نقلت دراسة أمريكية - أجريت على 12 ألف مواطن مـن مختلف شرائح المجتمع - عن 22% ممن سئلوا عن أول تجربة لممارسة الجنس قولهم: إن أول تجربة جنسية لهم كانت في سن العاشرة، وأنها كانت في فراش النوم، وأنها كانت مع الأخ أو الأخت أو الأم!!
نعم قد يلاحظ في مجتمعاتنا المحافظة أن القيود والتقاليد والرقابة المشددة على الفتاة والشاب، إذا استحالت شكا وريبة وبطشا وغلظة، تؤدي إلى الانحراف وارتكاب الأخطاء في السـر بعيدا عن أعين الرقابة. ومن هنا تنشأ رفقة السوء.. لدى الفتيان والفتيات، وينزلق من ينزلق إلى متاهات المخدرات والرذيـلة وغيرهما من الآفات والانحرافات.
وقد أكدت دراسات علمية أن أكثر من 80% مـن مشكلات المراهقين في العالم العربي هي نتيجة مباشـرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم وفق آرائهم وعـاداتهم وتقاليـد مجتمعاتهم، لذا يحجم الأبناء عن الحـوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآبـاء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها أو حلها!
وهنا يتضح بجلاء أن الخلل هو في المربي ووسائله، لا في التربية نفسها التي تسعى بالمراهق نحو الصلاح والاستقامة، ويراعى فيها الحكمة والرفق والتدرج.. كما جاء بذلك الشرع المطهر.
ولو أن الأولياء والقائمين بالتربية استلهموا فقه الدعوة الصحيح وطرائق التربية من القرآن والسنة والسيرة، وتجنبوا استعجال الثمرة، واستعانوا بالصبر والأناة، والرفق والحنان؛ لجنوا ثمارا كثيرة يفسدها العنف والتسرّع!
آفاق تربوية بين الأمس واليوم!
مما سبق يتبين أن المراقبة الحكيمة والوقاية والإرشاد من أنجع السبل لاجتياز المراهق شاطئ المراهقة الى بر الأمان ومرحلة الزواج، وعدم الانزلاق في مستنقعات الغريزة الآنية، ويتم ذلك بالتربية السليمة التي ننشدها جميعا لأطفالنا.. لكن - كما يقول مختصون -: "يخطئ كثيرا من يريد أن يكون أبناؤه المراهقون مثل الصحابـة والتابعيـن في مراهقتهم! فلا مجال للمقارنة بيـن حياتهم وبين واقعنا، فقد كانت حياة الصحابـة والتابعيـن - رضـوان الله عليهم - مليئة بالإيمان، وكانت هممهم عالية، وتربيتهم إيمانية؛ يرتشفون الجانب الروحـي مـع حليب أمهاتهم؛ فشبـوا على ذلك في الكبر. أمـا شبابنا اليوم فالبعض منهم تربوا على القنوات الفضائية، ومنهم مـن ارتشفوا في المهد حنان الخادمة أو المربية! وحال بعض البيوت الآن هو: أم تخلت وأب مشغـول. وهذا لايعني بأي حـال إهمـال الأسرة أو المدرسة للتربية الدينية، وتقديـم القدوة الصالحة لهؤلاء المراهقين، بـل إشباع حاجاتهم بالطـرق التربوية السليمة أمـر ضروري؛ لأن عدم إشباعها يؤدي إلى ازديـاد متاعبهم ومشكلاتهم، وتكون مواجهة هذه الحاجـات بالتوجيه والإرشاد وتقديـم الخدمات المناسبة في البيت والمدرسة وكافـة المؤسسـات المعنية بذلك".
وإن أبوين رشيدين لجديرين – بإذن الله تعالى – أن يصلا بفلذات أكبادهما إلى بر الأمان، والعبور على جسر المراهقة إلى مزيد من النضج والاستقرار النفسي والعاطفي؛ بحسن الغرس والتعاهد والتربية والاحتواء؛ في ظلال الشرع الحكيم..
ومن الوسائل المعينة على ذلك:
- إبعادهم عن مشاهدة الأفلام والصور المثيرة، ولبس الملابس غير اللائقة في البيت أمام الجنس الآخر، وعدم تركهم في نزهات خارجية أو أسفار بلا مرافق أمين.
- تفقيههم في الدين بشرح معانى البلوغ والدورة والاحتلام وكيفية التعامل معها.
- تحذيرهم من مصاحبة رفاق السوء، وإرشادهم إلى صفات الرفقة الصالحة.
- توضيح معنى الاعتداء الجنسي وبيان أخطاره.
وغير ذلك من الوسائل، بالإضافة إلى المصارحة والصدق عند وقوع الأخطاء، وعدم تركها تكبر فيصعب علاجها!
وبكل حال.. فإن الآباء والأمهات الذين يبنون جسورا من الود والصدق والصداقة مع أولادهم، ويسدون ثغرات الفراغ العاطفي لدى بنيهم وبناتهم هم أقرب الناس إلى تنشئة أجيال صالحة مصلحة!
الاستثمار الإيجابي.. الحل المزدوج!
أثبتت دراسة قامت بها "Gssw" (وكالة أمريكية متخصصة في الدراسات الاجتماعية) على 400 طفل ومراهق أعمارهم بيـن 5 -21 أن المراهقين في الأسر المتماسكة التي يتصف أفرادها بالترابـط واتخـاذ القرارات المهمة في مجـالس عائلية يشارك فيها كل الأفراد، ويهتم أفرادها بعضهم بشؤون بعض، هم الأقل ضغوطًـا والأكثر إيجابية في النظرة للحيـاة وشؤونـها ومشاكلها.. والعكس بالعكس.
فإذا كان هذا مع فقدان العقيدة الحقة - أعظم رباط يربط الناس في الحياة – فما بالنا إذا سادت هذه الأجواء في ظل سلامة المعتقد؟!
إن الحل الأمثل في مواجهة مشكلات المراهقة هو التربية الصالحة الرشيدة التي تجمع بين الحكمة والموعظة الحسنة والنصح والإرشاد من ناحية، والرفق والحنان وملء الفراغ النفسي والعاطفي من جهة أخرى؛ وبهذا نتجاوز كون هذا الحل مجرد حل للمشكلات إلى جعله استغلالا للطاقات وتوجيهها لما ينفع المراهق ومجتمعه وأمته، وينشئ منه شخصية إيجابية فاعلة.
حرية منضبطة.. صداقة ودودة.. هوايات مفيدة.. تشجيع وتنمية للمواهب.. تدريب على تحمل المسؤولية... هذا ما يريده المراهق، بعد تقوى الله وغرس الصلاح في نفسه والدعاء له..!
يلخص ذلك كله همسة في آذان الآباء والأمهات:
أولادكم بحاجة إلى أكثر من تأمين المأكل والمشرب والملبس والمصروف المدرسي!!
إنهم بحاجة إلى عطاء أرواحكم قبل عطاء أبدانكم.. بحاجة إلى مزيد من القرب منهم.. مزيد من الاهتمام والاحترام لأفكارهم ومشاعرهم.. مزيد من التواصل مع همومهم الصغيرة وهممهم العالية..
بحاجة إلى احتضان دافئ لمكنونات هذه القلوب الغضة الرائعة.
وإنها قبل ذلك كله لأمانة عظيمة.. وسوف تُسألون..!