فوائد في زيارة قبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك
اعلم أن لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسماء خمسة:
المدينة وطابة وطيبة والدار ويثرب
قال الله تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ} [سورة التوبة]. وثبت في صحيح مسلم عن جابر ابن سمرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى سمى المدينة طابة" وسميت طابة وطيبة لخلوصها من الشرك وطهارتها منه، وقيل لطيب ساكنيها لأمنهم ودعتهم، وقيل لطيب العيش بها، وأما تسميتها الدار فللاستقرار بها لأَمنها، وأما المدينة فقد قال كثيرون من أهل اللغة وغيرهم منهم قطرب وابن فارس هي من دان أي أطاع. والدين الطاعة سميت بذلك لأنه يطاع الله تعالى فيها وقيل غير ذلك والله أَعْلَمُ.
نقره على هذا الشريط لتكبير الصورة
وفي الباب مسائل:
[الأُولى] إذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة فليتوجهوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيارة تربته صلى الله عليه وسلم فإنها من أهم القربات وأنجح المساعي، وقد روى البزار والدارقطني بإسنادهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زار قبري وجبت له شفاعتي" الحديث صححه السبكي ووافقه الحافظ السيوطي.
[الثانية] يستحب للزائر أن ينوي مع زيارته صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله تعالى بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.
[الثالثة] يستحب إذا توجه إلى زيارته صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه في طريقه فإذا وقع بصره على أشجار المدينة وحرمها وما يعرف بها زاد من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته صلى الله عليه وسلم وأن يتقبلها منه.
[الرابعة] يستحب أن يغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه.
[الخامسة] يستحضر في قلبه حينئذ شرف المدينة وأنها أفضل الدنيا بعد مكة عند بعض العلماء وعند بعضهم أفضلها على الإطلاق، وأن الذي شرفت به صلى الله عليه وسلم خير الخلائق أجمعين. وليكن من أول قدومه إلى أن يرجع مستشعرًا تعظيمه ممتلىء القلب من هيبته كأنه يراه.
[السادسة] إذا وصل إلى باب مسجده صلى الله عليه وسلم فليقل ما قدَّمنا في دخول المسجد الحرام ويقدم رجله اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج وكذا يفعل في جميع المساجد، ويدخل فيقصد الروضة الكريمة وهي ما بين المنبر والقبر فيصلي تحية المسجد بجنب المنبر، وفي إِحياء علوم الدين أَنه يجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن.
ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وسع المسجد بعده صلى الله عليه وسلم، ففي كتاب المدينة أَن ذرع ما بين المنبر ومقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه حتى توفي أربع عشرة ذراعًا وشبرًا وأن ذرع ما بين المنبر والقبر ثلاث وخمسون ذراعًا وشبر.
[السابعة] إذا صلى التحية في الروضة أو غيرها من المسجد شكر الله تعالى على هذه النعمة ويسأله إتمام ما قصده وقبول زيارته، ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر.
ويبعد من رأس القبر نحو أربعة أذرع، وذكر بعضهم أنه يستقبل جدار القبر على نحو أربعة أَذرع من السارية التي عند رأس القبر في زاوية جداره ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ويقف ناظرًا إلى أسفل ما يستقبله من جدار القبر غاض الطرف في مقام الهيبة والإجلال فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرًا في قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته، ثم يسلم ولا يرفع صوته بل يقتصد فيقول: "السلامُ عليك يا رسول الله، السلامُ عليك يا نبي الله، السلامُ عليك يا خِيرة الله، السلامُ عليك يا خَيْر خلقِ الله، السلامُ عليك يا حبيبَ الله، السلامُ عليك يا نذير، السلامُ عليك يا بشير، السلامُ عليك يا طاهر، السلامُ عليك يا نبيَّ الرحمة، السلامُ عليك يا نبيَّ الأمة، السلامُ عليك يا أبا القاسم، السلامُ عليك يا رسولَ ربّ العالمين، السلامُ عليكَ يا سيدَ المرسلين وخاتمَ النبيين، السلامُ عليك يا خَيْرَ الخلائق أجمعين، السلامُ عليك يا قائد الغُرّ المُحَجَّلِينَ، السلامُ عليك وعلى ءالك وأهلِ بيتك وأزواجِك وذريتِك وأصحابِك أجمعين، السلامُ عليك وعلى سائر الأنبياءِ وجميع عبادِ الله الصالحين، جزاك الله يا رسولَ الله عنا أفضلَ ما جزى نبيًّا ورسولا عن أمتهِ وصلى الله عليكَ كلما ذكركَ ذاكر وغفلَ عن ذكرك غافلٌ أفضلَ وأكملَ وأطيبَ ما صلى على أحد من الخلق أجمعين، أشهد أن لا إله إِلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسولُهُ وخِيرتُهُ من خلقهِ، وأشهدُ أنك قد بلّغتَ الرسالةَ وأدّيتَ الأمانةَ ونصحتَ الأمةَ وجاهدتَ في الله حقَّ جهاده، اللهم وءاته الوسيلةَ والفضيلةَ وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته، وءاتِهِ نهايةَ ما ينبغي أن يسألَه السائلون، اللهمَّ صلّ على محمّد عبدِك ورسولِك النبيّ الأُمّي وعلى ءال محمد وأزواجِه وذريته كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى ءال إبراهيم، وباركْ على محمد النبيّ الأُمي وعلى ءال محمد وأزواجِه وذريتِهِ كما باركت على إبراهيمَ وعلى ءال إبراهيمَ في العالمين إنكَ حميدٌ مجيد"، ومن عجز عن حفظ هذا أو ضاق وقته عنه اقتصر على بعضه، وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم يرجع إلى موقفه الأَول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتوسل به بحق نفسه ويتشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، فقد ثبت أن الرسول علم الصحابة أن يتوسلوا به إلى الله وهذا من القُرَب إلى الله.
ومن أَحسن ما يقول ما رواه كثير من العلماء عن العتبيّ مستحسنين له قال: كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيّ فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعتُ الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [سورة النساء] وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ثم أَنشأ يقول:
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ بالقاع أعظُمُهُ * فطابَ من طيبهن القاعُ والأكمُ
نفسي فداءٌ لقبرٍ أَنتَ ساكنُهُ * فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
أَنت الشفيعُ الذي تُرْجَى شفاعَتُهُ * عند الصراط إذا ما زَلَّتِ القَدَمُ
وصاحباكَ فلا أنساهُمَا أبدًا * مِنّي السلامُ عليكمُ ما جرى القلمُ
قال: ثم انصرف فغلبتني عيناي فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبيُّ الْحَقِ الأعرابيّ وبشّرْه أنَّ الله تعالى قد غفر له.
ثم يأتي الروضةَ فيكثر فيها من الدعاء والصلاة فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي"، ويقف عند المنبر ويدعو.
وقد جاء عن ابن عمر وغيره من السلف رضي الله عنهم الاقتصار جدًّا فكان ابن عمر يقول: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أَبا بكر، السلام عليك يا أَبتاه"، وعن مالك رحمه الله تعالى أَنه كان يقول: "السلام عليك أَيها النبي ورحمة الله وبركاته".
ثم إن كان قد أَوصاه أحد بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقل: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان، أو فلان ابن فلان يسلم عليك يا رسول الله أو نحو هذا من العبارات، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "السلام عليك يا أبا بكر صفيَّ رسول الله وثانيه في الغار جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرًا"، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع للسلام على عمر رضي الله عنه فيقول: "السلام عليك يا عمر أعز الله بك الإسلام جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرًا".
[الثامنة] يستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع خصوصًا يوم الجمعة ويكون ذلك بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا انتهى إليه قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، اللهم اغفر لنا ولهم". ويزور القبور الظاهرة فيه كقبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعثمان، والعباس، والحسن بن علي، وعلي ابن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد وغيرهم، ويختم بقبر صفية رضي الله عنها عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح في فضل قبور البقيع وزيارتها أحاديث كثيرة.
[التاسعة] يستحب أن يزور قبور الشهداء بأحد وأفضله يوم الخميس وابتداؤه بحمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبكر بعد صلاة الصبح بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[العاشرة] يستحب استحبابًا متأكدًا أن يأتي مسجد قُباء وهو في يوم السبت أولى، ناويًا التقرب بزيارته والصلاة فيه للحديث الصحيح في كتاب الترمذي وغيره عن أُسيد بن ظهير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجد قُباء كعمرة"، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قُباء راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين"، وفي رواية صحيحة: "كان يأتيه كل سبت".
[الحادية عشر] يستحب أن يأتي بئر أريس التي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل فيها وهي عند مسجد قُباء فيشرب من مائها ويتوضأ منه.
[الثانية عشر] يستحب أن يأتي ما بقي من المشاهد بالمدينة وكانت نحو ثلاثين موضعًا يعرفها أهل المدينة فليقصد ما قدر عليه منها وكذا يأتي الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل، فيشرب ويتوضأ وهي سبعة ءابار.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا قَفَلَ من حج أو عمرة كبَّرَ على كل شرَفٍ ثلاثَ تكبيرات ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، ءايبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده"، رواه البخاري ومسلم.
ومن خصَّ مشروعية زيارة قبره لغير القاصد بالسفر وحرَّم السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وادعى أنه سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة فلا يجوز العمل بكلامه، بل يجب نبذه والإعراض عنه.
وقد استدلوا بحديث: "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" لتحريم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والجواب: أن أحدًا من السلف لم يفهم هذا الفهم بل زيارة قبر الرسول سنّة سواء كانت بسفر أو بغير سفر كسكان المدينة، والحنابلة قد نصّوا كغيرهم على كون زيارة قبر النبي سنّة سواء قصدت بالسفر لأجلها أو لم تقصد بالسفر لأجلها.
وأما الحديث فمعناه الذي فهمه السلف والخلف أنه لا فضيلة زائدة في السفر لأجل الصلاة في مسجد إلا السفر إلى هذه المساجد الثلاثة، لأن الصلاة تضاعف فيها إلى مائة ألف وذلك في المسجد الحرام وإلى ألف وذلك في مسجد الرسول وإلى خمسمائة وذلك في المسجد الأقصى. فالحديث المراد به السفر لأجل الصلاة، ويبين ذلك ما رواه الإمام أحمد ابن حنبل في مسنده من طريق شهْر بن حَوْشَب من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "لا ينبغي للمَطيّ أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" وهذا الحديث حسَّنه الحافظ ابن حجر، وهو مبيّن لمعنى الحديث السابق، والحديث يفسر الحديث، قال الحافظ العراقي في ألفيته في مصطلح الحديث:
وَخَيْرُ مَا فَسَّرتَهُ بالوارِدِ
فائدة: قال الحافظ أبو زرعة العراقي: "[الحادية عشرة] استدل به على أنه لو نذر إتيان مسجد المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه ذلك لأنه من جملة المقاصد التي يؤتى لها ذلك المحل بل هو أعظمها، وقد صرح بذلك القاضي ابن كج من أصحابنا فقال: عندي إذا نذر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه الوفاء وجهًا واحدًا ولو نذر أن يزور قبر غيره فوجهان. وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام بشع عجيب يتضمن منع شد الرحل للزيارة وأنه ليس من القرب بل بضد ذلك، ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في شفاء السَّقام فشفى صدور المؤمنين. وكان والدي رحمه الله يحكي أنه كان معادلا للشيخ زين الدين عبد الرحيم بن رجب الحنبلي في التوجه إلى بلد الخليل عليه السلام فلما دنا من البلد قال -أي ابن رجب-: نويت الصلاة في مسجد الخليل ليحترز عن شد الرحل لزيارته على طريقة شيخ الحنابلة ابن تيمية، قال -أي الحافظ العراقي-: فقلت: نويت زيارة قبر الخليل عليه السلام، ثم قلت له: أما أنت فقد خالفت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" وقد شددت الرحل إلى مسجد رابع، وأما أنا فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "زوروا القبور"، أفقال إلا قبور الأنبياء؟ قال: فبهت، قلت: ويدل على أنه ليس المراد إلا اختصاص هذه المساجد بفضل الصلاة فيها وأن ذلك لم يَرِد في سائر الأسفار" اهـ.
هامش:
[1]: والاضطباع معناه أن يمر طرف ردائه الأيمن من تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفي ردائه على كتفه الأيسر.
[2]: هذا في الطواف الذي يعقبه سعي.
نقره على هذا الشريط لتكبير الصورة
من اجمل ما قرائت من ابيات شعر مدح
في رسول الله علية الصلاة والسلام
وهي مكتوبة على قبرة الشريف من الجهة الامامية وهي
وهي مكتوبة على قبرة الشريف من الجهة الامامية وهي
ياخير من دفنت بالقاع أعظمة
فطاب من طيبهن القاع والا كمُ
نفسي فداً لقبرا انت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ
اللهم صلى على سيدنا محمد
وعلى ال محمد بمقدر رحمتك وزنة عرشك ومداد كلماتك
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
أسماء خمسة:
المدينة وطابة وطيبة والدار ويثرب
قال الله تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ} [سورة التوبة]. وثبت في صحيح مسلم عن جابر ابن سمرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى سمى المدينة طابة" وسميت طابة وطيبة لخلوصها من الشرك وطهارتها منه، وقيل لطيب ساكنيها لأمنهم ودعتهم، وقيل لطيب العيش بها، وأما تسميتها الدار فللاستقرار بها لأَمنها، وأما المدينة فقد قال كثيرون من أهل اللغة وغيرهم منهم قطرب وابن فارس هي من دان أي أطاع. والدين الطاعة سميت بذلك لأنه يطاع الله تعالى فيها وقيل غير ذلك والله أَعْلَمُ.
نقره على هذا الشريط لتكبير الصورة
وفي الباب مسائل:
[الأُولى] إذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة فليتوجهوا إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيارة تربته صلى الله عليه وسلم فإنها من أهم القربات وأنجح المساعي، وقد روى البزار والدارقطني بإسنادهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زار قبري وجبت له شفاعتي" الحديث صححه السبكي ووافقه الحافظ السيوطي.
[الثانية] يستحب للزائر أن ينوي مع زيارته صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله تعالى بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.
[الثالثة] يستحب إذا توجه إلى زيارته صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه في طريقه فإذا وقع بصره على أشجار المدينة وحرمها وما يعرف بها زاد من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته صلى الله عليه وسلم وأن يتقبلها منه.
[الرابعة] يستحب أن يغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه.
[الخامسة] يستحضر في قلبه حينئذ شرف المدينة وأنها أفضل الدنيا بعد مكة عند بعض العلماء وعند بعضهم أفضلها على الإطلاق، وأن الذي شرفت به صلى الله عليه وسلم خير الخلائق أجمعين. وليكن من أول قدومه إلى أن يرجع مستشعرًا تعظيمه ممتلىء القلب من هيبته كأنه يراه.
[السادسة] إذا وصل إلى باب مسجده صلى الله عليه وسلم فليقل ما قدَّمنا في دخول المسجد الحرام ويقدم رجله اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج وكذا يفعل في جميع المساجد، ويدخل فيقصد الروضة الكريمة وهي ما بين المنبر والقبر فيصلي تحية المسجد بجنب المنبر، وفي إِحياء علوم الدين أَنه يجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن.
ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وسع المسجد بعده صلى الله عليه وسلم، ففي كتاب المدينة أَن ذرع ما بين المنبر ومقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه حتى توفي أربع عشرة ذراعًا وشبرًا وأن ذرع ما بين المنبر والقبر ثلاث وخمسون ذراعًا وشبر.
[السابعة] إذا صلى التحية في الروضة أو غيرها من المسجد شكر الله تعالى على هذه النعمة ويسأله إتمام ما قصده وقبول زيارته، ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر.
ويبعد من رأس القبر نحو أربعة أذرع، وذكر بعضهم أنه يستقبل جدار القبر على نحو أربعة أَذرع من السارية التي عند رأس القبر في زاوية جداره ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ويقف ناظرًا إلى أسفل ما يستقبله من جدار القبر غاض الطرف في مقام الهيبة والإجلال فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرًا في قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته، ثم يسلم ولا يرفع صوته بل يقتصد فيقول: "السلامُ عليك يا رسول الله، السلامُ عليك يا نبي الله، السلامُ عليك يا خِيرة الله، السلامُ عليك يا خَيْر خلقِ الله، السلامُ عليك يا حبيبَ الله، السلامُ عليك يا نذير، السلامُ عليك يا بشير، السلامُ عليك يا طاهر، السلامُ عليك يا نبيَّ الرحمة، السلامُ عليك يا نبيَّ الأمة، السلامُ عليك يا أبا القاسم، السلامُ عليك يا رسولَ ربّ العالمين، السلامُ عليكَ يا سيدَ المرسلين وخاتمَ النبيين، السلامُ عليك يا خَيْرَ الخلائق أجمعين، السلامُ عليك يا قائد الغُرّ المُحَجَّلِينَ، السلامُ عليك وعلى ءالك وأهلِ بيتك وأزواجِك وذريتِك وأصحابِك أجمعين، السلامُ عليك وعلى سائر الأنبياءِ وجميع عبادِ الله الصالحين، جزاك الله يا رسولَ الله عنا أفضلَ ما جزى نبيًّا ورسولا عن أمتهِ وصلى الله عليكَ كلما ذكركَ ذاكر وغفلَ عن ذكرك غافلٌ أفضلَ وأكملَ وأطيبَ ما صلى على أحد من الخلق أجمعين، أشهد أن لا إله إِلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنك عبده ورسولُهُ وخِيرتُهُ من خلقهِ، وأشهدُ أنك قد بلّغتَ الرسالةَ وأدّيتَ الأمانةَ ونصحتَ الأمةَ وجاهدتَ في الله حقَّ جهاده، اللهم وءاته الوسيلةَ والفضيلةَ وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته، وءاتِهِ نهايةَ ما ينبغي أن يسألَه السائلون، اللهمَّ صلّ على محمّد عبدِك ورسولِك النبيّ الأُمّي وعلى ءال محمد وأزواجِه وذريته كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى ءال إبراهيم، وباركْ على محمد النبيّ الأُمي وعلى ءال محمد وأزواجِه وذريتِهِ كما باركت على إبراهيمَ وعلى ءال إبراهيمَ في العالمين إنكَ حميدٌ مجيد"، ومن عجز عن حفظ هذا أو ضاق وقته عنه اقتصر على بعضه، وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم يرجع إلى موقفه الأَول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتوسل به بحق نفسه ويتشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، فقد ثبت أن الرسول علم الصحابة أن يتوسلوا به إلى الله وهذا من القُرَب إلى الله.
ومن أَحسن ما يقول ما رواه كثير من العلماء عن العتبيّ مستحسنين له قال: كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيّ فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعتُ الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [سورة النساء] وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ثم أَنشأ يقول:
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ بالقاع أعظُمُهُ * فطابَ من طيبهن القاعُ والأكمُ
نفسي فداءٌ لقبرٍ أَنتَ ساكنُهُ * فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
أَنت الشفيعُ الذي تُرْجَى شفاعَتُهُ * عند الصراط إذا ما زَلَّتِ القَدَمُ
وصاحباكَ فلا أنساهُمَا أبدًا * مِنّي السلامُ عليكمُ ما جرى القلمُ
قال: ثم انصرف فغلبتني عيناي فرأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبيُّ الْحَقِ الأعرابيّ وبشّرْه أنَّ الله تعالى قد غفر له.
ثم يأتي الروضةَ فيكثر فيها من الدعاء والصلاة فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي"، ويقف عند المنبر ويدعو.
وقد جاء عن ابن عمر وغيره من السلف رضي الله عنهم الاقتصار جدًّا فكان ابن عمر يقول: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أَبا بكر، السلام عليك يا أَبتاه"، وعن مالك رحمه الله تعالى أَنه كان يقول: "السلام عليك أَيها النبي ورحمة الله وبركاته".
ثم إن كان قد أَوصاه أحد بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقل: السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان، أو فلان ابن فلان يسلم عليك يا رسول الله أو نحو هذا من العبارات، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "السلام عليك يا أبا بكر صفيَّ رسول الله وثانيه في الغار جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرًا"، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع للسلام على عمر رضي الله عنه فيقول: "السلام عليك يا عمر أعز الله بك الإسلام جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرًا".
[الثامنة] يستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع خصوصًا يوم الجمعة ويكون ذلك بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا انتهى إليه قال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، اللهم اغفر لنا ولهم". ويزور القبور الظاهرة فيه كقبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعثمان، والعباس، والحسن بن علي، وعلي ابن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد وغيرهم، ويختم بقبر صفية رضي الله عنها عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح في فضل قبور البقيع وزيارتها أحاديث كثيرة.
[التاسعة] يستحب أن يزور قبور الشهداء بأحد وأفضله يوم الخميس وابتداؤه بحمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبكر بعد صلاة الصبح بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[العاشرة] يستحب استحبابًا متأكدًا أن يأتي مسجد قُباء وهو في يوم السبت أولى، ناويًا التقرب بزيارته والصلاة فيه للحديث الصحيح في كتاب الترمذي وغيره عن أُسيد بن ظهير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجد قُباء كعمرة"، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قُباء راكبًا وماشيًا فيصلي فيه ركعتين"، وفي رواية صحيحة: "كان يأتيه كل سبت".
[الحادية عشر] يستحب أن يأتي بئر أريس التي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل فيها وهي عند مسجد قُباء فيشرب من مائها ويتوضأ منه.
[الثانية عشر] يستحب أن يأتي ما بقي من المشاهد بالمدينة وكانت نحو ثلاثين موضعًا يعرفها أهل المدينة فليقصد ما قدر عليه منها وكذا يأتي الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل، فيشرب ويتوضأ وهي سبعة ءابار.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا قَفَلَ من حج أو عمرة كبَّرَ على كل شرَفٍ ثلاثَ تكبيرات ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، ءايبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده"، رواه البخاري ومسلم.
ومن خصَّ مشروعية زيارة قبره لغير القاصد بالسفر وحرَّم السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وادعى أنه سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة فلا يجوز العمل بكلامه، بل يجب نبذه والإعراض عنه.
وقد استدلوا بحديث: "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" لتحريم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والجواب: أن أحدًا من السلف لم يفهم هذا الفهم بل زيارة قبر الرسول سنّة سواء كانت بسفر أو بغير سفر كسكان المدينة، والحنابلة قد نصّوا كغيرهم على كون زيارة قبر النبي سنّة سواء قصدت بالسفر لأجلها أو لم تقصد بالسفر لأجلها.
وأما الحديث فمعناه الذي فهمه السلف والخلف أنه لا فضيلة زائدة في السفر لأجل الصلاة في مسجد إلا السفر إلى هذه المساجد الثلاثة، لأن الصلاة تضاعف فيها إلى مائة ألف وذلك في المسجد الحرام وإلى ألف وذلك في مسجد الرسول وإلى خمسمائة وذلك في المسجد الأقصى. فالحديث المراد به السفر لأجل الصلاة، ويبين ذلك ما رواه الإمام أحمد ابن حنبل في مسنده من طريق شهْر بن حَوْشَب من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "لا ينبغي للمَطيّ أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" وهذا الحديث حسَّنه الحافظ ابن حجر، وهو مبيّن لمعنى الحديث السابق، والحديث يفسر الحديث، قال الحافظ العراقي في ألفيته في مصطلح الحديث:
وَخَيْرُ مَا فَسَّرتَهُ بالوارِدِ
فائدة: قال الحافظ أبو زرعة العراقي: "[الحادية عشرة] استدل به على أنه لو نذر إتيان مسجد المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه ذلك لأنه من جملة المقاصد التي يؤتى لها ذلك المحل بل هو أعظمها، وقد صرح بذلك القاضي ابن كج من أصحابنا فقال: عندي إذا نذر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه الوفاء وجهًا واحدًا ولو نذر أن يزور قبر غيره فوجهان. وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام بشع عجيب يتضمن منع شد الرحل للزيارة وأنه ليس من القرب بل بضد ذلك، ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في شفاء السَّقام فشفى صدور المؤمنين. وكان والدي رحمه الله يحكي أنه كان معادلا للشيخ زين الدين عبد الرحيم بن رجب الحنبلي في التوجه إلى بلد الخليل عليه السلام فلما دنا من البلد قال -أي ابن رجب-: نويت الصلاة في مسجد الخليل ليحترز عن شد الرحل لزيارته على طريقة شيخ الحنابلة ابن تيمية، قال -أي الحافظ العراقي-: فقلت: نويت زيارة قبر الخليل عليه السلام، ثم قلت له: أما أنت فقد خالفت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" وقد شددت الرحل إلى مسجد رابع، وأما أنا فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "زوروا القبور"، أفقال إلا قبور الأنبياء؟ قال: فبهت، قلت: ويدل على أنه ليس المراد إلا اختصاص هذه المساجد بفضل الصلاة فيها وأن ذلك لم يَرِد في سائر الأسفار" اهـ.
هامش:
[1]: والاضطباع معناه أن يمر طرف ردائه الأيمن من تحت إبطه الأيمن ويلقي طرفي ردائه على كتفه الأيسر.
[2]: هذا في الطواف الذي يعقبه سعي.
نقره على هذا الشريط لتكبير الصورة
من اجمل ما قرائت من ابيات شعر مدح
في رسول الله علية الصلاة والسلام
وهي مكتوبة على قبرة الشريف من الجهة الامامية وهي
وهي مكتوبة على قبرة الشريف من الجهة الامامية وهي
ياخير من دفنت بالقاع أعظمة
فطاب من طيبهن القاع والا كمُ
نفسي فداً لقبرا انت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ
اللهم صلى على سيدنا محمد
وعلى ال محمد بمقدر رحمتك وزنة عرشك ومداد كلماتك
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد